وأسرت البنات والخيل قلب الدوق فغفل عن نصيحة كنفوشيوس (وكان قد علمه أن المبدأ الأول من مبادئ الحكم الصالح هو القدوة الصالحة)، فأعرض عن وزرائه وأهمل شئون الدولة إهمالاً معيباً. وقال دزه- لو لكنفوشيوس:"أيها المعلم لقد آن لك أن ترحل". واستقال كنفوشيوس من منصبه وهو كاره، وغادر لو، وبدأ عهد تجوال وتشرد دام ثلاثة عشر عاماً. وقال فيما بعد "إنه لم ير قط إنساناً يحب الفضيلة بقدر ما يحب الجمال"(٨٧). والحق أن من أغلاط الطبيعة التي لا تغتفر لها أن الفضيلة والجمال كثيراً ما يأتيان منفصلين لا مجتمعين.
وأصبح المعلم وعدد قليل من مريديه المخلصين مغضوباً عليهم في وطنهم، فأخذوا يتنقلون من إقليم إلى إقليم، يلقون في بعضها مجاملة وترحاباً، ويتعرضون في بعضها الآخر لضروب من الحرمان والأذى. وهاجمهم الرعاع مرتين، وكادوا في يوم من الأيام يموتون جوعاً، وبرّح بهم ألم الجوع حتى شرع تْزَه- لو نفسه يتذمر ويقول إن حالهم لا تليق "بالإنسان الراقي". وعرض دوق وى على كنفوشيوس أن يوليه رياسة حكومته، ولكن كنفوشيوس رفض هذا العرض، لأنه لم تعجبه مبادئ الدوق (٨٨).
وبينما كانت هذه الفئة الصغيرة في يوم من الأيام تجوس خلال تشي إذ التقت بشيخين عافت نفسهما مفاسد ذلك العهد، فاعتزلا الشئون العامة كما اعتزلها لو -دزه، وآثرا عليها الحياة الزراعية البعيدة عن جلبة الحياة العامة. وعرف أحد الشيخين كنفوشيوس، ولام تْزَه- لو، على سيره في ركابه، وقال له:"إن الاضطراب يجتاح البلاد اجتياح السيل الجارف، ومن ذا الذي يستطيع أن يبدل لكم هذه الحال؟ أليس خيراً لكم أن تتبعوا أولئك الذين يعتزلون العالم كله، بدل أن تتبعوا ذلك الذي يخرج من ولاية إلى ولاية؟ "(٨٩). وفكر كنفوشيوس في هذا اللوم طويلاً ولكنه لم يفقد رجاءه في أن تتيح له ولاية من الولايات فرصة يتزعم فيها حركة الإصلاح والسلم.