الإدراك في شريكة الحياة … كانت دي مينتنون تتميز بعقل منصف، ومعين لا ينضب، ولكنه غير ممل إطلاقاً، من حديث عقلاني رقيق مرح، ومزاج لا يتكدر صفوه أبداً، ولباقة فاقت لباقة بنات جنسها، بقدر ما فاقت لباقة جنسها لباقة جنسنا نحن. تلك هي المناقب التي جعلت من أرملة المهرج في أول الأمر صديقة جديرة بالثقة، ثم زوجة لأقوى ملوك أوربا وأكثرهم غطرسة وغروراً (١١).
وأخيراً نراها من خلال قلم هنري مارتن، وهو مؤرخ فرنسي غير مشهود له بالبراعة كثيراً:
كان ثمة توافق في الذهن والطباع بين الاثنين (المركيزة والملك)، وهو توافق قدر له أن يزداد على مر الأيام، كما أن جمالها الناعم المتناسق الرزين الذي زاد منه وقار طبيعي نادر، كان هو الجمال الذي يرضي لويس أساساً. وأحبت هي التأمل والبحث، وأحب هو العظمة والمجد. وكانت مثله متحفظة حذرة، ومع ذلك تفيض جاذبية ورقة. ولحديثها نفس السحر والفتنة، اللتين دعمتهما طويلاً بفضل خيال أخصب وتعليم ذي جوانب أكثر تعدداً. وكانت ذات شخصية تتميز بالأنانية واتخاذ التدابير القوية، ومع ذلك كانت أهلاً لعواطف متينة ثابتة وإن لم تكن حارة، وكانت في نفس الوقت أقل انفعالاً وأشد ثباتاً من الملك الذي لم يكن مخلصاً حقاً في الصداقة وفي الحب، إلا لها وحدها. ولكنها لم تعرف قط بم تضحي من أجل عواطفها، بمصالحها أو بهدوئها, وعلى النقيض من لويس الرابع عشر، كانت تهتم بالبسيط من الأمور، ولا تتسامح في عظائمها. أن طبيعتها الهادئة المفطورة على التأمل والتفكير، البعيدة عن الانفعالات والأوهام، ساعدتها على الدفاع عن الفضيلة غالباً كانت محصورة (١٢).
ومهما يكن من أمر، فلا بد أن هذه السيدة تحلت بمناقب جديرة بالإعجاب، حدث بملك مستبد إلى أن يختارها زوجة له، ويعهد إليها بالنظر في أدق شئون الدولة. وكان عادة يلتقي بوزرائه في حجرتها الخاصة، تحت سمعها وبصرها، وعلى الرغم من أنها كانت تجلس