وأهم الخاسرين في هذا النزاع الدموي حول الوراثة الأسبانية هما هولندا وفرنسا، لقد كسبت الجمهورية الهولندية أرضاً، ولكنها خسرت سيادة البحر، فلم تعد قادرة على مباراة لإنجلترا في حمولة السفن أو في فن الملاحة أو في الموارد أو في الحرب، أن انتصارها استنزفها وأنهكها، فبدأت تضمحل. كذلك ضعفت فرنسا إلى حد يكاد يكون خطيراً. لقد بقت على مرشحها لعرش أسبانيا، ولكنها أخفقت في الإبقاء على إمبراطوريته سليمة لم تمس، ودفعت ثمناً لهذا النصر القاتم الذي فقد بريقه، حياة مليون من أبنائها بالإضافة إلى ضياع سيادتها على البحار، وانهيار حياتها الاقتصادية بصفة مؤقتة. ولم تكن فرنسا لتفيق وتلتقط أنفاسها من عصر لويس الرابع عشر، قبل ظهور نابليون، ولكن لمجرد أن تعيد مأساة لويس.
أما الفائزان في الحرب فهما النمسا داخل القارة، وإنجلترا في كل مكان خارجها. فقد استولت النمسا آنذاك على ميلان ونابلي وصقلية وبلجيكا، وأصبحت أعظم قوة في أوربا حتى ارتقاء فردريك الأكبر العرش (١٧٤٠). وفكرت إنجلترا في السيادة على البحار أكثر مما فكرت في التوسع في الأرض. وحصلت على نيوفوندلند ونوفا سكوشيا، ولكن كان تحكمها في طرق التجارة أكبر قيمة لديها. وأرغمت فرنسا على تخفيض رسومها الجمركية، وعلى أن تجرد من السلاح قلعة دنكرك وثغرها اللذين كانا يشكلان خطراً على السفن الإنجليزية. ويفضل جبل طارق في أسبانيا، وبورت ماهون في مينورقة استطاعت إنجلترا أن تسيطر على البحر المتوسط. ولم يكن لهذه المكاسب مشهد مثير في ١٧١٣، ولكن كان لا بد أن تدون نتائجها في تاريخ القرن الثامن عشر. وفي نفس الوقت أمنت العقيدة البروتستانتية وارتقاء البروتستانت إلى العرش شر العوادي، اللهم إلا نسبة المواليد.
وثمة نتيجة هامة للحرب، تلك هي اشتداد الروح القومية، وروح الكراهية بين الدول، حيث نسيت كل أمة مكاسبها وتذكرت جراحها. فما كان لألمانيا أن تغفر اجتياح البالاتينات وتخريبها مرتين. ولم تكن فرنسا لتنسى بسرعة المذابح التي لم يسبق لها مثيل في انتصارات