مجالس خلت من الوقار، ومنهم من عاش كما يشتهي متستراً وإن حافظ على مظهر لقبه. مثال ذلك الأبيه دشاتو نوف، آخر عشاق نينون دلانكلو وأول معلم لفولتير. وكان رجلاً واسع الثقافة، رحب الأفق، وقد أشرب تلميذه وثنية نينون وارتيابه مونتيني. وفي رواية قديمة مشكوك فيها أنه قدم للصبي ملحمة هازلة تدعى "الملحمة الموسوية" كانت تتداول في مخطوطات سرية، ومؤداها أن الدين، إذا استثنينا الإيمان بكائن أعظم، ليس إلا ذريعة يتذرع بها الحكام لإخضاع المحكومين وإرهابهم (٢).
بدأ تعليم فولتير حين اصطحبه معلمه "الأبيه" في زيارة لنينون، وكانت الغانية الشهيرة يومها (١٧٠٤) في الرابعة والثمانين. ووجدها فرانسوا "يابسة كالمومياء" ولكنها ما زالت فياضة برقة المرأة وعطفها. وقد تذكر في تاريخ لاحق صنيعها فقال "لقد طاب لها أن تذكرني في وصيتها، فتركت لي ألفي فرنك لأشترى بها كتباً (١٣) ". وماتت بعد ذلك بقليل.
ورغبة في موازنة هذا الغذاء ألحق الصبي وهو في العاشرة طالباً مقيماً بكلية لوي-لجران اليسوعية على شاطئ باريس الأيسر، التي اشتهرت بأنها أفضل مدرسة في فرنسا. وكانت تضم بين تلاميذها الألفين من أبناء الأشراف كل من أطاق أن يتعلم، وفي السنوات السبع التي أنفقها فولتير في مدرسته صنع الكثير من الأصدقاء الأرستقراطيين الذين احتفظ طوال حياته بالألفة الطبيعية معهم. وقد تلقى تدريبات حسناً في الدراسات الكلاسيكية، والأدب، ولا سيما المسرحية، ومثل في مسرحيات عرضت هناك، وكتب هو نفسه تمثيلية وهو بعد في الثانية عشرة. وكان متقدماً في دراسته، وظفر بجوائز كثيرة وأبهج معلميه وأفزعهم. فلقد أعرب عن عدم إيمانه بالجحيم، وسمى السماء "عنبر نوم الدنيا الكبير (٤) ". وتنبأ أحد معلميه في حزن بأن هذا الفكر الصغير سيحمل لواء الربوبية الفرنسية-أي الدين الذي يرفض كل لاهوت تقريباً فيما عدا الأيمان بالله. على أنهم احتملوه بما عهد فيهم من صبر وأناة، وبادلهم هذا الصنيع باحتفاظه-طوال هرطقاته كلها-باحترام وعرفان بالجميل