دافئين لليسوعيين الذين راضوا عقله على الوضوح ودربوه على النظام كتب وهو في الثانية والخمسين يقول:
"تلقيت العام سبع سنين على يد رجال بذلوا جهود مضنية لم ينالوا عليها جزاء ليربوا عقول الشباب وأخلاقهم … ولقد أشربوني ميلاً إلى الأدب، وعواطف ستكون عزاء لي إلى نهاية عمري. وما من شيء سيمحو من قلبي ذكرى الأب بوريه، الذي هو عزيز بالمثل على كل من أخذوا عنه العلم. فإن أحداً من المعلمين لم يحبب تلاميذه في الدرس والفضيلة كما فعل ذلك الأب … وقد أسعدني الحظ بتلقي العلم على أكثر من أب يسوعي جملته أخلاق الأب بوريه .. فما الذي رأيته خلال السنين السبع التي قضيتها مع اليسوعيين؟ أكثر ضروب الحياة جداً وقصداً وتنظيماً، أوقاتهم كلها قسمة بين رعاية يبذلونها لنا وممارسات لمهنتهم الشاقة. وأني لأستشهد بالآلاف الذين علموهم كما علموني وليس بين هؤلاء فرد يكذبني (٥) ".
وبعد أن تخرج فرانسوا نوى أن يجعل الأدب مهنته، ولكن أباه أصر على أن يدرس القانون، محذراً أياه من احتراف الأدب الذي هو كلمة المرور السحرية إلى الفقر والعوز. وظل فرانسوا ثلاث سنين "يدرس قوانين تيودوسيوس وجستنيان سبيلاً لمعرفة مهنة المحاماة الباريسية" على حد قوله. وقد كره "كثرة الأشياء عديمة الجدوى التي أرادوا أن يشحنوا بها ذهني؛ إن شعاري هو: التركيز على صميم الموضوع (٦) ". وبدلاً من أن يستغرق في مجموعات القوانين والسوابق القانونية، سعى لصحبة جماعة من شكاك الأبيقوريين كانوا يجتمعون في التأميل-وهو بناء تخلف من دير قديم لفرسان الهيكل (الداوية) في باريس. وكان أمامهم فيليب دفاندوم، كبير رؤساء أديار فرنسا، صاحب الموارد الكنسية الضخمة والإيمان الديني الهزيل، ومعه الآباء سيرفيان، ودبوسي، ودشوليو، ومركيز دلافار، وأمير كونتي، وغيرهم من الأعيان الذين يتمتعون بدخل ميسر وحياة مرحة … وكان الأبيه دشوليو يجهر بأن الخمر والنساء أطيب النعم التي جادت بها على الإنسان طبيعة حكيمة خيرة (٧). وقد لائم فولتير بين نفسه وبين هذا النظام دون عناء، وصدم أباه بالسهر خارج