للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه الحفيدة-حفيدة "المسيو"، "اللوطي"-وسليلة أسرة بافارية ورثت الجنون في دمها، وجدت أن ثبات الذهن واستقرار الخلق أمر يفوق طاقتها، وزاد وعيها بعيوبها وأخطائها من حدة طبعاعات أرعب كل من كان لهم صلة بحياتها. وقد استغلت نبالة أصلها استغلالاً كاملاً، فكانت تركب عربتها مخترقة باريس كأنها ملكة، وتحتفظ في اللكسمبورج بقصر مترف يخدمها فيه أحياناً ثمانمائة خادم (٤٨). فلما مات زوجها (١٧١٤) راحت تستضيف سلسلة من العشاق. وصدمت كل إنسان بسكرها وفجورها، ولغتها النابية، وعجبها وغطرستها، وكانت تختلف عليها نوبات من التقوى، ومن الهجمات الشكاكة على الدين.

ويبدو أنها لم تحب إنساناً قط محبتها لأبيها، وأنه لم يحب إنساناً قط محبته لها. ولقد شاركته ذكاءه، ورهافة حسه وظرفه كما شاركته خلقه، وكان حسنها في شبابها يضارع حسن أجمل خليلاته. واتهمتهما شائعات باريس-التي لا قلب لها ولا حرمة-بسفاح القربى، لا بل زادت بأنه اقترف هذه الخطيئة مع بناته الثلاث جميعاً (٤٩). وأغلب الظن أن بعض هذه الشائعات أطلقتها "شلة" مدام مين (٥٠). وقد رفضها سان-سيمون، وهو أقرب الناس إلى الموقف، لأنها افتراءات قاسية وضيعة. أما فليب ذاته فلم يعبأ بنفيها. وخلوه التام من الغيرة من عشاق ابنته (١٥١)، وعدم غيرتها من خليلاته (٥٢)، لا يكادان يتفقان وطبيعة الحب المستأثرة (٥٣).

ولم يقو على فصلها عن أبيها سوى رجل واحد-هو الكبتن ريون الضابط بحرس قصرها، الذي سلبت فحولته لبها حتى خضعت له خضوع الإماء. ففي ١٧١٩ حبست نفسها في اللكسمبورج مع بعض أتباعها، وولدت ابنة للكبتن. ثم ما لبثت أن تزوجته سراً. وتوسلت إلى أبيها أن يأذن لها بإعلان هذا الزواج، فرفض، فانقلب حبها له غيظاً مجنوناً. ومرضت، وأهملت نفسها، فأصابتها حمى أنذرت بالخطر، وماتت وهي في الرابعة والعشرين اثر مسها أعطاها إياه طبيبها (٢١ يوليو ١٧١٩). وقد كشف تشريح جثتها عن تشوهات في مخها. ولم يرض أي أسقف بالصلاة عليها في جنازتها، وكان فليب