ولقد رمز فليب ذاته، في شخصه وعاداته وميوله، إلى الانتقال إلى الركوك. فحين نقل الحكومة من فرساي إلى باريس أنزل الفن من وقار لويس الرابع عشر الكلاسيكي غلى روح العاصمة الأكثر خفة، ووجه ثروة الطبقة البرجوازية إلى رعاية الفن. وكان راعياً للفن بحكم منصبه وبتفرده في هذا المضمار، فهو غني بثروته أصلاً، سخي في البذل للفنانين. ولم يكن يسيغ الفخامة أو الضخامة، ولا مواضيع التصوير التقليدية-مواضيع الدين أو الأساطير أو التاريخ، بل الروائع الصغيرة ذات الصنعة المتقنة التي تغري الأصابع وتفتح العيون، أمثال علب الحلي المرصعة بالجواهر، والآنية الفضية، والطاسات الذهبية، والخزفيات الصينية الغريبة الأشكال، ورسوم النساء الفاتنات اللاتي يلبسهن روبنز أو تتزاينو رداء الطبيعة أو يرفلن في أرواب فيرونيزي الفاخرة. وقد فتح أبواب مجموعته الخاصة في الباليه-رويال على مصاريعها لجميع الزوار المسئولين، ولولا خليلاته اللاتي يطلبن وينلن ما يطلبن منها لضارعت مجموعته أفضل نظائرها. ووفد الفنانون على قاعاته للدرس والنسخ، وذهب فليب إلى مراسمهم لينظر ويتعلم. تحدث إلى كبير مصوريه، شارل أنطوان كوابيل، في أدب وتواضع تميز بهما فقال:"إنني يا سيدي لسعيد وفخور بأن أتلقى نصيحتك وأنتفع بدروسك (٦٥) ". ولولا ما عانى من ظمأ للجمال وتذوق عات له لكان رجلاً رفيع التحضر.
وأفصحت روح العصر عن نفسها بأجلى بيان في التصوير. فقد نبذ الفنانون أمثال فاتو، وباتير، ولانكريه، وليموان، القواعد التي وضعها لبرون في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة بعد أن حررهم الوصي ورعاتهم الجدد. واستجابوا عن طيب خاطر للطلب على الصور التي تعكس فهم الوصي للجمال والمتعة، وحسن نساء عهد الوصاية الفياض بالحيوية والمرح، والألوان الدافئة لأثاث الوصاية وسجفها، والحفلات المرحة في غابة بولونيا، والألعاب والتنكريات في قصر سو، والأخلاق المتراخية التي اتسم بها الممثلون والممثلات ومغنيات الأوبرا والراقصات. وحلّت الأساطير الوثنية محل قصص القديسين القاتمة المتجهمة، وسمحت الأشكال العجيبة المستوردة من الصين، أو تركيا، أو فارس، أو الهند، للعقل الذي أطلق من عقاله بأن