للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد بدءوا بتنظيم ولاياتهم أحسن تنظيم، ولما أرادوا أن يحسنوا تنظيم ولاياتهم بدءوا بتنظيم أسرهم، ولما أرادوا تنظيم أسرهم بدءوا بتهذيب نفوسهم؛ ولما أرادوا أن يهذبوا نفوسهم بدءوا بتطهير قلوبهم، ولما أرادوا أن يطهروا قلوبهم عملوا أولاً على أن يكونوا مخلصين في تفكيرهم؛ ولما أرادوا أن يكونوا مخلصين في تفكيرهم بدءوا بتوسيع دائرة معارفهم إلى أبعد حد مستطاع، وهذا التوسع في المعارف لا يكون إلا بالبحث عن حقائق الأشياء.

فلما أن بحثوا عن حقائق الأشياء أصبح علمهم كاملاً، ولما كمل علمهم خلصت أفكارهم، فلما خلصت أفكارهم تطهرت قلوبهم، ولما تطهرت قلوبهم، تهذبت نفوسهم، ولما تهذبت نفوسهم انتظمت شئون أسرهم، ولما انتظمت شئون أسرهم صلح حكم ولاياتهم؛ ولما صلح حكم ولاياتهم أضحت الإمبراطورية كلها هادئة سعيدة (١٠٨).

تلك هي مادة الفلسفة الكنفوشية، وهذا هو طابعها، وفي وسع الإنسان أن ينسى كل ما عدا هذه الألفاظ من أقوال المعلم وأتباعه، وأن يحتفظ بهذه المعاني التي هي "جوهر الفلسفة وقوامها" وأكمل مرشد للحياة الإنسانية. ويقول كنفوشيوس "إن العالم في حرب لأن الدول التي يتألف منها فاسدة الحكم؛ والسبب في فساد حكمها أن الشرائع الوضعية مهما كثرت لا تستطيع أن تحل محل النظام الاجتماعي الطبيعي الذي تهيئه الأسرة. والأسرة مختلة عاجزة عن تهيئة هذا النظام الاجتماعي الطبيعي، لأن الناس ينسون أنهم لا يستطيعون تنظيم أسرهم من غير أن يُقوّموا نفوسهم وهم يعجزون عن أن يقوموا أنفسهم لأنهم لم يطهروا قلوبهم أي أنهم لم يطهروا نفوسهم من الشهوات الفاسدة الدنيئة؛ وقلوبهم غير طاهرة لأنهم غير مخلصين في تفكيرهم، لا يقدرون الحقائق قدرها ويخفون طبائعهم بدل أن يكشفوا عنها؛ وهم لا يخلصون في تفكيرهم لأن أهواءهم تشوه الحقائق وتحدد لهم النتائج بدل أن يعملوا على توسيع معارفهم إلى أقصى حد مستطاع