الغريبة غير المألوفة، وأعمال القوة، والاضطراب، والكائنات الروحية" (١٠٥). وكان هذا التواضع الفلسفي يقلق بالهم، وما من شك في أنهم كانوا يتمنون أن يحل لهم معلمهم مشاكل السموات ويطلعهم على أسرارها. ويقص علينا كتاب- لياتزه وهو مغتبط قصة غلمان الشوارع الذين أخذوا يسخرون من كنفوشيوس حين أقر لهم بعجزه عن هذا السؤال السهل وهو: "هل الشمس أقرب إلى الأرض في الصباح حين تبدو أكبر ما تكون، أو في منتصف النهار حين تشتد حرارتها" (١٠٦). وكل ما كان كنفوشيوس يرضى أن يقره من البحوث فيما وراء الطبيعة هو البحث عما بين الظواهر المختلفة جميعهاً من وحدة، وبذل الجهد لمعرفة ما يوجد من تناغم وانسجام بين قواعد السلوك الحسن واطراد النظم الطبيعية.
وقال مرة لأحد المقربين إليه: "أظنك يا تزه تعتقد أني من أولئك الذين يحفظون أشياء كثيرة ويستبقونها في ذاكرتهم؟ " فأجابه تزه- كونج بقوله: "نعم أظن ذلك ولكني قد أكون مخطئاً في ظني؟ " فرد عليه الفيلسوف قائلا "لا، إني أبحث عن الوحدة، الوحدة الشاملة" (١٠٧) وذلك بلا ريب هو جوهر الفلسفة.
وكانت الأخلاق مطلبه وهمه الأول، وكان يرى أن الفوضى التي تسود عصره فوضى خلقية، لعلها نشأت من ضعف الإيمان القديم وانتشار الشك السفسطائي في ماهية الصواب والخطأ. ولم يكن علاجها في رأيه هو العودة إلى العقائد القديمة، وإنما علاجها هو البحث الجدي عن معرفة أتم من المعرفة السابقة وتجديد أخلاقي قائم على تنظيم حياة الأسرة على أساس صالح قويم. والفقرتان الآتيتان المنقولتان عن كتاب التعليم الأكبر تعبران أصدق تعبير وأعمقه عن المنهج الفلسفي الكنفوشي.
"إن القدامى الذين أرادوا أن ينشروا أرقى الفضائل في أنحاء الإمبراطورية