وتلك هي الذكاء والشجاعة وحب الخير. وفي ذلك يقول:"الرجل الأعلى يخشى ألا يصل إلى الحقيقة، وهو لا يخشى أن يصيبه الفقر .. وهو واسع الفكر غير متشيع إلى فئة .. وهو يحرص على ألا يكون فيما يقوله شئ غير صحيح"(١١٠).
ولكنه ليس رجلاً ذكياً وحسب، وليس طالب علم ومحباً للمعرفة وكفى، بل هو ذو خلق وذو ذكاء. "فإذا غلبت فيه الصفات الجسمية على ثقافته وتهذيبه كان جلفاً، وإذا غلبت فيه الثقافة والتهذيب على الصفات الجسمية تمثلت فيه أخلاق الكتبة؛ أما إذا تساوت فيه صفات الجسم والثقافة والتهذيب وامتزجت هذه بتلك كان لنا منه الرجل الكامل الفضيلة"(١١١). فالذكاء هو الذهن الذي يضع قدميه على الأرض.
وقوام الأخلاق الصالحة هو الإخلاص، "وليس الإخلاص الكامل وحده هو الذي يميز الرجل الأعلى"(١١٢)"إنه يعمل قبل أن يتكلم، ثم يتكلم بعدئذ وفق ما عمل"(١١٣)"ولدينا في فن الرماية ما يشبه طريقة الرجل الأعلى. ذلك أن الرامي إذا لم يصب مركز الهدف رجع إلى نفسه ليبحث فيها عن سبب عجزه"(١١٤).
"إن الذي يبحث عنه الرجل الأعلى هو ما في نفسه؛ أما الرجل المنحط فيبحث عما في غيره .. والرجل الأعلى يحزنه نقص كفايته، ولا يحزنه .. ألا يعرفه الناس"، ولكنه مع ذلك "يكره أن يفكر في ألاّ يذكر اسمه بعد موته"(١١٥) وهو متواضع في حديثه ولكنه متفوق في أعماله .. قل أن يتكلم، فإذا تكلم لم يشك قط في أنه سيصيب هدفه .. والشيء الوحيد الذي لا يدانى فيه الرجل الأعلى هو عمله الذي لا يستطيع غيره من الناس أن يراه" (١١٦). وهو معتدل في قوله وفعله "والرجل الأعلى يلتزم الطريق الوسط" (١١٧) في كل شيء؛ ذلك أن "الأشياء التي يتأثر بها الإنسان كثيرة لا حصر لها؛ وإذا لم يكن