للرجال الراغبين في المخاطرة بتقديمه. وقاومت الطوائف الحرفية، التي كانت من الناحية النظرية لا تزال تحكم معظم الصناعة الأوربية، التنظيم الرأسمالي للإنتاج والتوزيع. ولكن نظام الطوائف الحرفية بنى عليها الحرف اليدوية لا الآلات، وقد هيئ لتلبية الحاجات المحلية لا السوق القومية فضلاً عن السوق الدولية، ولم يستطع تلبية المطالب المتزايدة للجيوش، والمدن، والمستعمرات، وقد عوقه الولاء للوسائل والقواعد التقليدية، وأخذ ينحدر إلى درك "الشلل" من معلمي الحرف الذين يستغلون الصبيان وعمال اليومية. وكان الرأسمالي أقدر على تنظيم الإنتاج الكبير والتوزيع البعيد؛ فلقد كان عليماً بذلك الفن البالغ الرهافة، فن جعل المال يلد المال؛ وظاهره برلمان تواق لأن تمون الكفاية الصناعية التجارة المترامية والحروب.
وبانتشار المصانع والرأسمالية تغيرت علاقة العامل بعمله. فلم يعد يملك أدوات حرفية، ولا يحدّد ساعات كده وظروفه. ولم يكن له غير نصيب صغير في تقرير معدّل أجوره أو نوعية ناتجة. ولم يعد حانوته مدخلاً إلى بيته، ولا صناعته جزءاً من حياته الأسرية. ولم يعد عمله ذلك التشكيل الفخور لأداة في جميع مراحلها، بل أصبح بحكم تقسيم العمل- الذي سيعجب آدم سمث كثيراً- التكرار اللا شخصي، الممل، لجزء من عملية لم يعد ناتجها المصقول يعبر عن حذقه وتفننه؛ إنه لم يعد صانعاً ماهراً، بل "يداً" أجيرة. وقد حدد أجره جوع رجال ينافسون النساء والأطفال على العمالة. فإذا كان عاملاً في منجم فمتوسط أجره شلن وستة بنسات في اليوم، وإذا كان فاعلاً في البناء تقاضي شلنين، وسمكرياً ثلاثة شلنات، وقد اختلفت هذه المعادلات اختلافاً يسيراً بين عامي ١٧٠٠ و١٧٧٠ (١٣). وكان النساج يتقاضي حوالي سنة ١٧٥٠ ستة شلنات في الأسبوع، والنساجة خمسة شلنات وستة بنسات، والطفل شلنين وستة بنسات. أما النساء الغزالات فمن شلنين إلى خمسة في الأسبوع، وأما البنات من السادسة إلى الثانية عشرة فشلن ونصف (١٤). على أن الأسعار كانت منخفضة، وظلت ثابتة حتى ١٧٦٠ (١٥). وكان يضاف إلى هذه الأجور أحياناً علاوة للخبز والجعة أثناء العمل، وكان معظم عمال المناجم يعطون الفحم مجاناً.