السكان مرجعها تحسينات الزراعة والنقل التي زادت من كميات الطعام وتوزيعه، وخطوات النهوض بالصحة العامة والعلاج الطبي التي خفضت نسبة الوفيات في الأطفال والبالغين. ويبدو أن سكان إنجلترا وويلز الذين نيفوا على ثلاثة ملايين في ١٥٠٠، بلغوا أربعة في ١٦٠٠ وستة في ١٧٠٠، وتسعة في ١٨٠٠ (٣٧). وكل الزيادة تقريباً كانت من نصيب المدن التي غذت الصناعة والتجارة وتغذت منهما. وفي عام ١٧٤٠ فاخرت لندن بنحو ٧٢٥. ٠٠٠ من الأهالي، فأصبحت الآن الحفل مدن العالم بالسكان، وندد بها ديفو في ١٧٢٢ لأنها "تضخمت"(٣٨) وتلتها باريس التي بلغ سكانها ٦٧٥. ٠٠٠ في ١٧٥٠، ثم أمستردام وفينا، ونابلي، وبلرمو، وروما. وبلغ سكان لندن عشرة أضعاف سكان برستول، التي كانت ثاني أكبر المدن الإنجليزية، وثمانية عشر ضعف سكان نورتش، ثالث أكبر المدن الإنجليزية. وكانت مراكز العواصم تجمع في يدها خيوط الحياة الاقتصادية للأمة، وتحول كدّ الحقول والمناجم والمتاجر ومنتجاتها إلى أرباح المال اللطيفة الرقيقة.
وأعان لندن موقعها على النمو من نمو التجارة والمستعمرات الإنجليزية. فكان في استطاعة السفن عابرة المحيط أن تبحر مصعدة في التيمز، ومع أن أرصفة الميناء (حتى ١٧٩٤) لم يكن في طاقتها أن تؤويها، فإن جيشاً من عمال التفريغ والشحن والغلاظ، يستخدم أسطولاً من ثلاثمائة صندل، كان مهيأ لنقل البضائع من السفينة إلى الساحل أو غلى سفينة أخرى، وهكذا غدت لندن مركز توزيع شاغياً بالحركة لإعادة تصدير الواردات من وراء البحار إلى القارة. ولم يكن شاطئ النهر أنيقاً كما نجده الآن، فقد كان يزخر بعمال الشحن المفتولي العضل، والملاحين المتعطشين للجنس، والنساء المتحللات ملبساً وخلقاً، القذرات مظهراً ولفظاً، الساكنات الأكواخ والحانات، المنافسات للبحارة في السكر والعنف (٣٩). أما النهر نفسه فكان عجيب المنظر، فيه خليط من السفن التي تتفاوت من قوارب الصيد الشراعية إلى البوارج الضخمة، بينما تعبر المعديات الصغيرة النهر غدواً ورواحاً. وكان الملك، وعمدة لندن، ونفر من الأعيان، يملكون "ذهبيات" أنيقة، ويستخدمونها للرحلة صعداً إلى ونزور أو غيرها من البلاد-وظل كوبري لندن حتى ١٧٥٠ الطريق الوحيد لاختراق المدينة على الأقدام