من شمالها إلى جنوبها، ولكن في ذلك العام تم بناء كوبري وستمنستر، وفي ١٧٥٧ أزيل عن كوبري لندن عبء البيوت والمتاجر الذي كان يثقله. وقد أعجب الرسام البندقي أنطونيو كاناليتو، الذي زار لندن في ١٧٤٦ و١٧٥١، بمشاهد الحركة التي يعج بها الماء فخلف لنا بعض الصور الشهيرة التي ترينا التيمز كما عرفه وأحبه بوب وجونسون.
ولعل جونسون أحب شوارع لندن أكثر حتى من حبه لنهرها، مع أنها كانت لا تزال سيئة الإضاءة رديئة الصرف، لا ينظفها في الغالب سوى ماء المطر الهاطل عليها. وكان قد تقرر في ١٦٨٤ نظام لإضاءة الشوارع يقام بمقتضاه مصباح مضاء بالشمع عند كل عاشر بيت، ولكن المصابيح لم تضاء إلا في الليالي التي يحتجب فيها القمر، وحتى منتصف الليل فقط، ومن عيد الملاك ميخائيل (٢٩ سبتمبر) إلى عيد السيدة العذراء فقط (٢٥ مارس). وفي ١٧٣٦ وافقت سلطات المدينة على إقامة خمسة عشر ألف مصباح زيتي في أنحاء لندن كلها، تظل مضيئة من غروب الشمس إلى شروقها، وكان هذا حدثاً مشهوداً في حياة العاصمة حسن كثيراً من أمن شوارعها في الليل.
كان أكثر الشوارع منذ حريق ١٦٦٦ الكبير مرصوفاً بالحجارة الصغيرة المدوّرة، وظل الرصف بهذه الطريقة قاعدة متبعة إلى القرن التاسع عشر. وكانت تجري في وسط كل شارع قناة تتلقى الكثير من النفاية وتصرف المطر. ولم يكن هناك أفاريز بل صف من الشواخص حدد طريقاً للمشاة عرضه ستة أقدام. وكانت الشوارع تعج بأصوات عربات النقل، وخيول الجر، والحناطير، والمركبات الخاصة، وكلها تجرها الخيل التي تقعقع حوافرها على أحجار الرصف، كذلك كان هناك الباعة الجوالون-وكثير منهم نساء-يسرحون بعشرات الأطعمة أو الثياب، والصناع المهرة المتنقلون يعرضون إصلاح ما فسد، وسائقو العربات يتشاجرون والكلاب تنبح، والمتسولون يستجدون، ومغنو الشوارع يصيحون بالأغاني الشعبية، والأراغن تقفز بألحانها من جدار إلى جدار. وكان الناس يشكون من هذه الضوضاء ولكنهم يحبونها، فهي السبيل الذي لا غنى عنهم إلى معاشهم. ولم يعمل الناس في صمت سوى النشالين والمومسات.