والمحلفين والشهود والمتفرجين على أن ينشقوا مراراً نشقات من الكافور أو الخل أو الأعشاب العطرية لتغلب على الرائحة الخبيثة. وفي مايو ١٧٥٠ جيء بمائة سجين من نيوجيت ليحاكموا في "الأولد بيلي" وهي محكمة جنايات لندن الكبرى. وبلغ من خبث الحمى التي أفشوها أن أربعة قضاة من الستة الذين نظروا القضية ماتوا، ومات من المحلفين وصغار الموظفين أربعون، وأمرت المحكمة بعد هذا الدرس بأن يغسل جميع السجناء القادمين للمحاكمة بالخل، وأن توضع أعشاب زكية الرائحة في قفص المتهمين (٨٢).
وكان الرجل الذي يقاضي بسبب الدين، ويدان، ويعجز عن الوفاء بدينه أو لا يرغب في الفراء به، يودع مثل هذا السجن حتى يوفي الدين أو حتى يسحب دائنه الدعوى. وكان الدائن ملزماً بحكم القانون بدفع أربعة بنسات في اليوم مساهمة في إعاشة سجينه، ولكنه إذا لم يفعل لم يكن أمام المدين سبيل إلا مقاضاته-وهذا يلفه مالاً. على أنه إذا استطاع الحصول على نقود من خارج السجن كان في إمكانه رشوة الحارس وغيره ليسمحوا له بالتمتع بفراش وطعام أفضل، وبحريات أرحب، وبالائتناس بزوجته، لا بل بقضاء إجازة في المدينة بين الحين والحين. أما المدين المفلس فقد يموت جوعاً موتاً بطيئاً من ضآلة جرايته من الخبز إذا عجز عن شراء الطعام. وقد قدر صموئيل جونسون أن خمسة آلاف سجين من كل عشرين ألف مفلس يسجنون في السنة في المتوسط، يموتون من الحرمان (٨٣). وهكذا لم تجد إنجلترا وسيلة أكثر رفقاً لحماية طبقة رجال الأعمال الصاعدة من الاقتراض المستهتر أو الإفلاس بالتدليس.
وارتفعت بعض الاحتجاجات الخفيفة على صرامة قانون العقوبات. ولاحظ جونسون، الذي لم يكن بالرجل العاطفي، في ١٧٥١ خطر اعتبار هذا العدد الغفير من الجرائم جرائم كبرى فقال:"إن تسوية السرقة بالقتل … معناها التحريض على اقتراف جريمة أكبر منعاً لاكتشاف جريمة أحقر (٨٤) ". وظهرت أقوى الانتقادات لإدارة السجون في روايات فيلدنج وسموليت وفي رسوم هوجارث. وقد لطف من قسوة هذا النظام تلطيفاً متواضعاً جيمس أوجثلورب، الذي تكشف حياته العملية المنوعة النشيطة عن الجانب الأنبل لجون بول. ففي ١٧١٤ ترك الكلية وهو