ومن الحكمة أن يسلك المرء في كلتا الصحبتين بشيء من التحفظ، فلا يسرف في الكلام ولا يغالي في الصراحة، وأن يكون "من الحذق بحيث يخفي حقيقة دون أن يكذب"، وأن يبدو صريحاً وهو متحفظ:
"تظاهر بأنك مرتاب حتى حيث تكون على يقين من الأمر … وإن شئت أن تقنع غيرك فليبد عليك استعدادك للاقتناع. وأودع علمك كما تودع ساعتك جيباً خاصاً فلا تبرزه .. لمجرد الإعلان عن نفسك (١١٤). وهم من هذا كله، احذر الحديث عن نفسك ما استطعت (١١٥).
"وأمسك عن الحديث في الدين، فلو أنك أطريته لابتسم أصحاب الثقافة والحكمة، ولو ذممته لحزن الشيوخ الناضجون. وسوف يفيدك أن تقرأ تواريخ فولتير، ولكن احترس من جماعة "الفلاسفة" الذين يهاجمون الدين.
"لا يبد عليك أنك توافق على تلك الأفكار الإباحية التي تهاجم الأديان على السواء، أو أنك تشجعها أو تصفق لها، والتي هي الحديث الحقير المهلهل الذي يخوض فيه أنصاف العقلاء وصغار الفلاسفة. وحتى أولئك الذين بهم من الحمق ما يجعلهم يضحكون على نكاتهم، لهم وزعم ذلك من الحكمة ما يشككهم ويبغضهم في أخلاقهم، ذلك أننا حتى لو وضعنا الفضائل الخلقية في أسمى مكان لها، والدين في أدناه، فلا بد رغم ذلك من أن نعترف للدين بأنه ضمان إضافي على الأقل للفضيلة، وكل إنسان حصيف يؤثر الركون إلى ضمانين خيراً من ضمان واحد. لذلك فأينما اتفقوجودك في صحبة أصحاب "العقول القوية" المزعومة هذه، أو في صحبة إباحيين عديمي التروي ممن يسخرون بالدين كله إعلاناً عن ذكائهم وظرفهم، فلا تدع كلمة أو نظرة تبدر منك دليلاً على أقل استحسان لما يقولون، بل على العكس من هذا فلتفصح رزانتك الصامتة عن كرهك له، ولكن لا تخض في الموضوع واجتنب مثل هذه المجادلات العقيمة النابية (١١٦) ".