"لا مونتيني وهو يكتب "مقالاته"، ولا ديكارت وهو بني عوالم جديدة، ولا … نيوتن وهو يكتشف ويرسي القوانين الصحيحة للطبيعة على التجربة وعلى هندسة رفيعة، لا أحد من هؤلاء شعر بابتهاج عقلي أكثر من الوطني الصادق الذي يسخر كل قوة فهمه، ويوجه كل أفكاره وأفعاله، لخير وطنه (٤٠) ".
وتطلع أمله إلى الجيل الأصغر. فلما زار إنجلترا في ١٧٣٨ سعى إلى صداقة الأمير فردريك لويس، ولي العهد، الذي كان الآن يقود حركة المعارضة لولبول. ووجه بولنبروك إلى سكرتير فردريك الخاص أشهر كتبه وهو "مفهوم الملك الوطني". وقد مات فردريك في ١٧٥١، ولكن ابنه، وهو الذي سيصبح جورج الثالث، استقى من هذه الصفحات بعض مواد عقيدته السياسية (٤١). وكان المقال في جوهره دعوة لنظام ملكي خير كذلك سيحلم به فولتير و "الفلاسفة" في الجيل التالي. فقد زعم بولنبروك أن إنجلترا قد تردت في هوة لا يقوى على انتشالها منها سوى ملك يرتفع فوق الشيع والأحزاب، لا بل فوق البرلمان، ملك يقبض على زمام السلطة، ويعاقب الرشوة، ويحكم كما يملك. ولكن الملك الوطني سينظر إلى سلطته لا على أنها حق إلهي بل أمانة عامة؛ لا مطلقة، بل مقيدة بالقانون الطبيعي وحريات رعاياه وحرية الصحافة وتقاليد المملكة؛ وسيحكم على جميع المسالك حسب تأثيرها في رخاء الشعب وسعادته (٤٢). سيشجع التجارة باعتبارها أهم مصدر لثروة الأمة؛ وسيقي البحرية في بريطانيا باعتبارها الحارس للاستقلال القومي ولتوازن القوى في القارة.
كان "مفهوم الملك الوطني" محاولة لبناء حزب جديد من المحافظين يلبس مبادئ الأحرار ويتألف من المحافظين الذين أقصوا عن الحكم والأحرار الساخطين؛ حزب يرفض الولاء للاستيوارتيين، يستهدف التوفيق بين الأرض والتجارة، وبين الإمبراطورية والحية، وبين الخدمة العامة والثروة الخاصة (١). فلما نشر المقال (١٧٤٩) أصبح
(١) قارن عبارة اللورد بيركهند التي أجملت فكرة بولنبروك: "ذهب الأحرار للاستحمام، فسرق بولنبروك ملابسهم (٤٣) ".