للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرب برستل، وعظ عمال مناجم الفحم الذين ندر أن جرءوا على دخول كنيسة أو اهتموا بدخولها. وكان في صوته من الوضوح والقوة ما مكنه من الوصول إلى أسماع عشرين ألف مستمع، وأثرت مقدرته الخطابية المشبوبة في هؤلاء الرجال المتحجرين، المرهقين، تأثيراً جعله يرى (كما قال) "المسارب البيضاء التي أحدثتها دموعهم التي هطلت بغزارة على خدودهم السوداء (٥٢) " وأثارت خيال إنجلترا سمعة الواعظ الجديد، وأخبار عظاته في الهواء الطلق. فكانت الحشود الهائلة تتجمع أينما ذهب لتستمع إليه.

ولم يكن وعظه بالشيء الذي ينسي. فهو لم يدع لنفسه تبحراً في العلم، ولكنه ادعى أنه يتكلم كلاماً حميماً مع الله (٥٣). ويقول وسلي أن لغته كانت تميل إلى "الحلاوة والحب" وأنه يستعمل فيها بعض الأخيلة المذهلة؛ من ذلك أنه كان يقول عن المسيح أنه "كالمشوي بغضب الأب، ومن ثم يوصف بحق بأنه حمل الله (٥٤) ". وكما فعل بت في البرلمان كذلك فعل هوايتفيلد في الحقول، إذ استعان في خطبه بفنون التمثيل، فكان في قدرته أن يبكي في التو والساعة بكاء من الواضح أنه اقترن بعاطفة صادقة؛ وكان في قدرته أن يشعر سامعيه بالإحساس بالخطيئة، ورهبة الجحيم، ومحبة المسيح، إحساساً قوياً فورياً. وقد اعترف بقوته الخطباء أمثال بولنبروك وتشسترفيلد، والشكاك أمثال فرانكلين وهيوم، والممثلون أمثال جاريك. وإذ كان يلقى الترحيب أينما حل، فإنه جعل إنجلترا، وويلز، وإسكتلندة، وإيرلندة، وأمريكا، أبرشيته. فعبر المحيط إلى أمريكا ثلاث عشرة مرة، واخترق إسكتلندة اثنتي عشرة مرة. ولم يكن غريباً عليه أن يعظ أربعين ساعة في الأسبوع. فما بلغ الخمسين حتى حل به الإرهاق، وخفض برنامجه بعد فوات الوقت إلى "الحد الدقيق المسموح به"-أي أنه اكتفى بالوعظ مرة واحدة كل يوم من أيام الأسبوع، وثلاث مرات فقط يوم الأحد. وفي ١٧٦٩ قام بزيارته السابعة للمستعمرات، ومات في نيوبريبورت بولاية ماساتشوستس في العام التالي.