كفيل بأن يجعل عجلات الصناعة تدور. وأغلب الظن أن الطبيب الكثير النزوات كان مسلماً بأن فارقته هذه، "الرذائل الخاصة هي فضائل عامة" كانت إلى حد كبير لعباً بألفاظ فضفاضة التعريف. إن "الرذائل" كحب الاقتناء، والعشق الجنسي، والمشاغبة، والكبرياء، كانت يوماً ما "فضائل" في الصراع البدائي للبقاء. ولم تصبح رذائل إلا حين مورست في المجتمع ممارسة تجاوزت الخير الاجتماعي؛ وقد أصبحت منافع عامة بفضل التحكم فيها بالتعليم، والرأي العام، والدين، والقانون.
وشتان بين فرانسس هتشسن وبين هذا الطبيب المفتري. وقد ولد هتشسن في إيرلندة لقس مشيخي، ثم انحرف عن جادة أبيه وفتح معهداً خاصاً في دبلن. وإذ كان شديد الوعي بالتزامه بأن يجعل من المتوحشين الصغار مواطنين، فقد كتب من معهده "تحقيقاً في الخير والشر الأخلاقيين"(١٧٢٥) عرّف فيه المواطن الصالح بأنه ذلك الذي يعزّز الخير العام، ووصف فيه الخير العام (بعبارة سبقت بحذافيرها صيغة بنتام في مذهب المنفعة) فقال إنه "أعظم سعادة لأكبر عدد من الناس (٦٩) " فلما رقي إلى كرسي الفلسفة الأخلاقية في جامعة جلاسجو، أزعج المشيخيين بدفاعه عن حق الفرد في إصدار حكمه على الأشياء، وعن مشروعية اللذة، وعن "الفنون الإبداعية كالموسيقى والنحت والتصوير، وحتى الملاهي الرجولية"(٧٠)، ولم يشارك ماندفيل فكرته المتشائمة عن الطبيعة البشرية. وقد سلم بأخطاء الناس وذنوبهم، وبشهواتهم الجامحة وجرائمهم العنيفة، "ولكن الجانب الأكبر من حياتهم يستخدم في القيام بمهام من المودة الطبيعية، أو الصداقة، أو حب الذات البريء، أو حب الوطن". ثم أضاف تحذيراً نافعاً للمؤرخين فقال:
"إن الناس ميالون إلى إطلاق العنان لخيالاتهم في أمر جميع ما سمعوا عنه أو قرءوا في التاريخ من سرقات، وقرصنات، وجرائم قتل، وأيمان كاذبة، وتزويرات، ومذابح، واغتيالات، فيستنتجون من هذا كله أن النوع الإنساني كله شرير جداً، وكأن دار القضاء هي المكان الصحيح لتقييم أخلاق البشر، أو المستشفى لتقييم ملاءمة المناخ