النافعة للجماعة، ويذموا الضارة بها. ثم إن مبدأ التعاطف جعلهم يميلون إلى تقبل أو محاكاة الآراء التي سمعوها من حولهم؛ وبهذه الطريقة اكتسبوا معايير وعادات الثناء واللوم، وطبقوا هذه الأحكام بوعي أو بلا وعي على سلوكهم. هذا في رأي هيوم أصل الضمير، لا صوت الله (كما سيتصور روسو وكانت). ويقول هيوم إن قانون التعاطف هذا، قانون التجاذب الجماعي، هو عام ومنير في العالم الأخلاقي شأن قانون الجاذبية في الكون المادي، ثم يختم بهذه العبارة "وهكذا يحدوني على الجملة الأمل بأنه لا ينقصنا شيء للبرهان الصحيح على هذا النسق من الأخلاق (١٠٢) ".
وكان المجلد الثالث أقل لفتاً للأنظار حتى من المجلدين السابقين. وظلت بقايا النسخ الألف والمائة، وهي مجموع نسخ الطبع الأولى للرسالة، إلى سنة ١٧٥٦، مكدسة على رفوف الناشر، ولم يعش هيوم ليرى طبعة ثانية من كتابه.
جـ- الأخلاق والمعجزات
كان واضحاً أنه لا يستطيع كسب قوته بقلمه. وفي ١٧٤٤ بذل محاولة فاشلة للوصول إلى كرسي الأستاذية بجامعة ادنبره. ولا شك أنه قبل في شيء من الإحساس بالهوان (أبريل ١٧٤٥) وظيفة معلم خاص لمركيز أنانديل الصغير لقاء راتب قدره ٣٠٠ جنيه في العام. أما المركيز فقد اختلط عقله، وتبين هيوم أنهم يتوقعون منه أن يكون حارساً لمجنون؛ ونشبت المشاجرات، فطرد (أبريل ١٧٤٦) واضطر إلى رفع دعوى مطالباً براتيه. ثم اشتغل سنة (١٧٤٦ - ٤٧) سكرتيراً للجنرال جيمس سانت كلير، وكان يتقاضى راتباً طيباً، ويتناول طعاماً طيباً. وفي يوليو ١٧٤٧ عاد هيوم إلى أدنبرة وهو يملك ويزن من الجنيهات أكثر كثيراً منه حين غادرها. وفي ١٧٤٨ أعاد الجنرال استخدامه سكرتيراً وياوراً في بعثة إلى تورين، واكنسي ديفد الآن سترة قرمزية متوهجة.