وفي مارس ١٧٣٩ عاد هيوم إلى أدنبرة. وراح يقلب الدوريات في لهفة بحثاً عن نقد لمجلديه، وعانى من نتائج تقليبها. قال "لم تلق محاولة أدبية قط حظاً أعثر مما لقيت "رسالتي في الطبيعة البشرية" فلقد ولدت ميتة من المطبعة، ولم تحظ حتى بإثارة دمدمة سخط بين المتعصبين (٩٨) " ولكنه حين كتب هذا في شيخوخته كان قد نسي، ربما بسبب الرغبة في نسيان الذكريات الكريهة، أن عدة مقالات نقدية ظهرت خلال سنة بعد نشر كتابه. وقد شكت كلها تقريباً من أنه عسير الفهم، وأن المؤلف سمح لشبابه بالإعلان عن ذاته بتكرار الإشارة إلى نفسه وإلى الجدة الخطيرة التي تنطوي عليها أفكاره. قال ناقد نموذجي من أعدائه:"إن ما يؤذي القارئ أشد الأذى هو تلك الثقة التي يسوق بها مفارقاته .. فما عهدنا شاكاً أشد من هذا قطعاً بآرائه … وأمثال لوك وكلارك ليسوا في الغالب في نظره سوى مجادلين تافهين سطحيين بالقياس إليه (٩٩) ".
وأعد هيوم للمطبعة، في عزيمة صادقة رغم حزنه، المجلد الثالث من رسالته، المحتوي على الكتاب الثالث "في الأخلاق". وقد ظهر في ٥نوفمبر ١٧٤٠. وساء تحليله للفضيلة العقلانيين بقدر ما ساء اللاهوتيين. فهو يزعم أن قواعد الفضيلة ليست إلهامات خارقة، ولكنها أيضاً ليست استنتاجات خلص إليها العقل، وذلك- كما يكرر هيوم القول "لأن العقل ليس له تأثير على عواطفنا أو أفعالنا (١٠٠) ". وحسنا الخلقي ليس مصدره السماء بل التعاطف- شعور الزمالة مع إخواننا من البشر، وهذا الشعور جزء من الغريزة الاجتماعية التي بها نلتمس الارتباط بالغير لخشيتنا من العزلة. "إن أول حالة وموقف للإنسان يمكن أن يوصفا بحق بأنهما اجتماعيان"؛ و "الحالة الطبيعية" التي عاش فيها الناس دون تنظيم اجتماعي "يجب اعتبارها حديث خرافة (١٠١) "، فالمجتمع قديم قدم الإنسان. وإذ كان الناس أعضاء في جماعة، فإنهم سرعان ما تعلموا أن يمتدحوا التصرفات