عن عرشه. فنرى هيوم يرفض محاولات الفلاسفة بناء مبدأ أخلاقي على تحكم العقل في العاطفة. وهو يعني بكلمة العاطفة الرغبة الوجدانية. "لكي أثبت مغالطة هذه الفلسفة بأكملها، سأحاول أن أثبت أولاً أن العقل وحده لا يمكن أن يكون دافعاً لأي فعل من أفعال الإرادة؛ ثانياً إنه لا يستطيع إطلاقاً معارضة العاطفة في اتجاه (ضد قوة) الإرادة (٩٢) ". "فلا شيء يستطيع مقاومة أو تعطيل دافع العاطفة إلا عاطفة مضادة"(أهذا صدى لسبينوزا؟). ويضيف هيوم إمعاناً منه في ترويع المتشبثين بالقديم "إن العقل عبد، وينبغي أن يكون عبداً، للعواطف (الأداة المنيرة والمنسقة للرغبات) ولا يمكن أن يزعم لنفسه أي وظيفة أخرى سوى خدمتها وطاعتها (٩٣) ".
ثم يمضي إلى تحليل دقيق للعواطف- وأهمها الحب، والكره، والعطف، والغضب، والطمع، والحسد، والكبرياء. "إن العلاقة التي تُحدث في الكثير الغالب عاطفة الكبرياء هي علاقة الملكية (٩٤) ". وكل العواطف تقوم على اللذة والألم، وتميزاتنا الأخلاقية تنبع في النهاية من هذا المنبع الخفي ذاته "إننا نميل إلى إطلاق اسم الفضيلة على أي صفة في الآخرين تعطينا اللذة لأنها تعين على نفعنا، وإلى إطلاق اسم الرذيلة على أي صفة بشرية تعطينا الألم (٩٥) ". وحتى مفاهيم الجمال والقبح مشتقة من اللذة والألم. يقول:
"لو تأملنا جميع الفروض التي وضعت … لتفسير الفرق بين الجمال والقبح، لوجدناها كلها تنحل إلى هذا، وهو أن الجمال نظام وتركيب للأجزاء، مهيأ لإعطاء اللذة والرضي للنفس، أما بسبب التكوين الفطري لطبائعنا (كما نرى في جمال الجسم البشري) أو بسبب العرف (كما نرى في الإعجاب بنحافة القوام في النساء) أو بسبب النزوة العارضة (كما نرى في إضفاء الكمال على أوهام الرغبة المعاقة) … فاللذة والألم إذن ليسا مرافقين ضروريين فحسب للجمال والقبح، ولكنهما يكوّنان جوهرهما ذاته، … وما الجمال إلا شكل يحدث اللذة، كما أن القبح بناء للأجزاء يحدث الألم (٩٦) ".
والحب بين الجنسين يتركب من هذا الإحساس بالجمال، مضافاً إليه "الرغبة الجسمية في التناسل ورقة ومودة سمحتان (٩٧) ".