وإذا لم يكن بد من البحث عن نقائص في هذا الخلق الذي بلغ غاية اللطف، أو عن بقعة معتمة في هذا الذهن الألمعي، فإن أكبر أخطائه التي يصعب اغتفارها له هي إشاراته إلى "الفرض البشع" الذي افترضه سبينوزا "الكافر"(١٥٢)، وهي إشارات لا بد أن الهدف منها كان تغيير لون جلده ليحمي نفسه. ولقد كانت سيكولوجية هيوم أكثر سيكولوجيات زمانه نفاذاً، ولكنها لم تعلل تماماً الإحساس بالهوية الشخصية؛ فإن حالة نفسية ما لا تستدعي حالة نفسية أخرى فحسب، بل قد تستدعيها باعتبارها حالتي "أنا"، وإحلال "التتابع المنتظم" محل "العلة" لا يتطلب سوى تغيير في العبارة؛ و "التتابع المنتظم" كاف للعلم والفلسفة؛ وكتابه "تاريخ إنجلترا" لا يفتأ يحاول تفسير الأحداث بالأسباب (١٥٣)". وإن شكوكيه تخلى عنها صاحبه صراحة في الحياة العملية، لا بد أن تكون خاطئة من حيث نظريتها، لأن الممارسة هي المحك النهائي للنظرية. ومن الغريب أن هيوم مع ردّه العلة إلى العرف، والفضيلة إلى شعور التعاطف، لم يعط وزناً يذكر للعرف والشعور في تفسيره للدين، وأبدى أقل التعاطف مع وظائف الدين الملحة في التاريخ. وكان عديم الإحساس بتعزيات الإيمان، والراحة التي كان يمسح بها على النفوس المقشعرة أمام سر الوجود وضخامته، أو وحشة الزن، أو حتمية الهزة القاسية. لقد كان نجاح وسلي رد التاريخ على هيوم.
على أننا برغم هذه الاعتراضات التافهة نعود إلى الإقرار بما اتسم به ذهن هيوم النفاذ من رهافة بتارة. لقد كان هو وحده "التنوير للجزر البريطانية، ونحن إذا استثنينا مجال الرؤية السياسية، وجدنا أن أثر هيوم أساساً كان في بريطانيا معادلاً لأثر نيف وعشرة فلاسفة في فرنسا .. ومع أنه كان يشعر بالتأثير الفرنسي شعوراً عميقاً، فإنه توصل إلى أفكار التنوير، وكان بعض لطماته البالغة الشدة قبل أن يجرد "الفلاسفة"- بل فولتير- مخالبهم على "العار" l'inf (me، لقد كانوا مدينين له بقدر دينه لهم. كتب إليه ديدرو يقول:"إني أحييك، إني أحبك، إني أجلك (١٥٤) " وفي إنجلترا أنهى مذهب الربوبية بتحديه قدرة العقل لا إلى أسوار العقيدة القديمة فحسب، بل إلى