آخرون الفرنسية والإيطالية، وإذ أقفلت في وجهه الجامعات والمهن الراقية بسبب مذهبه، فقد واصل دراساته في البيت، فلما عاقه جسمه المحدودب وصحته الهشة عن العمل النشيط، ترك أبواه العنان لولعه بكتابة الشعر. يقول:
"كنت وأنا بعد طفل، لم تغرر بي الشهرة بعد،
ألثغ ببحور الشعر، لأن بحوره وافتني طوعاً (٤) ".
وحين بلغ الثانية عشرة أتيحت له نظرة خاطفة إلى دريدن يحتل مكان الصدارة في مقهى ولز، وأثار المنظر فيه رغبة عارمة في المجد الأدبي. فلما بلغ السادسة عشرة كتب بعض "الرعويات" التي تناولها الناس مخطوطة وحظيت بثناء أدار رأسه، وقبلت للنشر في ١٧٠٩. وفي ١٧١١، وبكل الحكمة الناضجة التي احتوتها سنوه الثلاث والعشرون، أدهش أدباء لندن بقصيدته "مقال في النقد" نراه- حتى وهو يحذر المؤلفين من أن:
"العلم القليل شيء خطر؛
فأنهلوا من الأعماق، وألا فلا تذوقوا ينبوع الشعر (٥) ".
يضع بحسم القاضي قواعد الفن الأدبي. هنا هضم الشاعر "فن الشعر" لهوراس، و "الفن الشعري" لبوالو في ٧٤٤ بيتاً جيدة المعاني هضماً عجيباً، نظمت نظماً رائعاً، بألفاظ لا يزيد كثير منها على مقطع واحد- "أفكار طالما خطرت بالبال، ولكن لم يعبر عنها بمثل هذه الروعة (٦) ".
وكان للفتى ولع "بالابجرام"، وبضغط جوامع الحكمة في بيت واحد، ولقف كل فكرة بقافية. وقد أخذ مذهبه في النظم عن داريدن، ونظيته عن بوالو. وإذ كان لديه من الفراغ ما يتسع لصقل شعره، فإنه لم يتردد في قبول النصيحة الكلاسيكية، نصيحة تهذيب الشكل وصقله، وجعل الكأس أثمن نبيذها. ومع أنه ظل يجهر بكثلكته، فإنه اعتنق مبدأ بوالو القائل بأن الأدب ينبغي أن يكون العقل مفرغاً في ثوب لائق. أما الطبيعة فنعم، ولكنها الطبيعة التي روضها