بواجبهم نحو آبائهم (٢٨)". فلقد كان حبه لأمه أطهر عاطفة وأبقاها من عواطف روحه المضطربة. كتب في عامها الحادي والتسعين يقول إن صحبتها اليومية جعلته لا يحس أي افتقار إلى علاقات عائلية أخرى. وكانت أخلاقياته الجنسية أفضل تطبيقاً منها كلاماً؛ ولم يكن هيكله يصلح للزنا، ولكن لسانه وقلمه كان في وسعهما أن يكونا إباحيين إلى حد مقزز (٢٩). وحتى في رسائله للمرأتين اللتين ظن أنه يعشقهما كان يكتب بتحرر مفرط لا تطيقه اليوم سوى بغي. ومع ذلك فإن إحداهما، وهي مرتا بلاونت، أحبت الشاعر العاجز حباً حسبه المتقولون علاقة آثمة. وفي ١٧٣٠ وصفها بأنها "صديقة … كنت أتفق معها كل يوم ثلاث ساعات أو أربعة طوال هذه السنين الخمس عشرة (٣٠)". وبات في شيخوخته المبكرة معتمداً على محبتها، وأوصى لها بكل تركته الكبيرة تقريباً.
وإذ كان دائم الوعي بعيوبه البدنية، فقد كانت تكويه كياً كل كلمة تنقد خلقه أو شعره. لقد كان العصر عصراً يغلب عليه حب الثأر في معاركه الأدبية، وكان بوب يرد على السباب بسباب لا يصح طبعه أحياناً. وفي ١٧٢٨ حشد خصومه ونقاده في زريبة شعره، وأطلق عليهم كل سهام غضبه في أقوى أعمالهم الأدبية وأبلغها إيذاءً. ولم ينشر اسمه عليه، ولكن كل لندن القارئة استشفت توقيعه في أسلوب الكتاب. وسيراً على الطريق الوعر الذي سلكته من قبل قصيدة دريدن "ماك فلكنو" (١٦٢٨)، أشادت قصيدة بوب "الدنسيادة" بكتبة جراب ستريت أقطاباً للمغفلين في بلاط الغباء الذي يتربع ثيوبولد على عرشه. وقد بكى على موت رن وجراي، وعلى إقصاء سويفت في منفاه الإيرلندي، حيث يموت "كفأر مسموم في جحر" يعني كتدرائية دبلن. أما عن الباقين فلم ير من حوله إلا عجزة فاسدين لا طعم لهم ولا مذاق. وتلقى ثيوبولد، ودنيس، وبلاكمور، وأوزبورن، وكرل، وكيبر، وأولدمكسون، وسميدلي، وآرنل- كل في دوره جزاءهم من الجلد والتهكم والقذر- ولا غرو فقد كان لشاعر ولع بالقذارة، ربما لأن هذه صفة تلازم العجز البدني (٣١).
وفي طبعة لاحقة ذكر بوب في ابتهاج، على لسان الشاعر سفدج، كيف أن حشداً من الكتاب حاصروا تاجر الكتب في تاريخ نشر القصيدة