و "مول فلاندرز"(١٧٢٢)، و "روكسانا"(١٧٢٤)، ولكن هذه كلها كانت لا تزال سلسلة من الأحداث المترابطة أكثر منها وحدة بنائية يعمل كل جزء فيها على تقديم موضوع يوحد بينها. فلما ملك رتشاردسن وفيلدنج ناصية فن التطوير هذا، وصورا الشخصية وهي تنمو خلال الأحداث، وجعلا رواياتهما تصور العادات في عصرنا، كان هذا استهلالاً للرواية الحديثة.
أ- صموئيل رتشردسن
١٦٨٩ - ١٧٦١
كان الرجل الذي استهل عصر الرواية الجديدة ابن نجار من داربيشير انتقل إلى لندن عقب مولد صموئيل. وكانت الأسرة ترجو أن تجعل الصبي قسيساً، ولكن الفقر عاقها عن تأهيله التأهيل المدرسي المطلوب؛ على أنه وفق في أن يضمن كتبه شيئاً من الوعظ. وكان الوسط الذي شب فيه يحتفظ بالفضيلة البيورتانية. وألحق صبياً لطباع، وأعانه اشتهاره بجمال الخط على زيادة دخله بتدبيجه ال سئل للفتيات الأميات اللاتي أضناهن الحب، وقد قررت هذه المصادفة الشكل الذي اتخذته رواياته أعني شكل الرسائل، وما أفاضت فيه هذه الروايات من ريادة لسيكولوجية المرأة وسبر لعواطفها. وأفاده جده واقتصاده، فأنشأ مطبعة خاصة به، وتزوج ابنة مخدومه السابق (١٧٢١)، وأنجب منها ستة أطفال، مات منهم خمسة في حداثتهم. كذلك ماتت أمهم (١٧٣٠) وهي ما تزال صغيرة السن محبوبة، وأعانت هذه الأحزان على خلق مزاجه الذي تغلب عليه الكآبة. وتزوج ثانية، وأنجب ستة أطفال آخرين، واكتوى بمزيد من الأحزان، ثم ارتقى لوظيفة طباع مجلس العموم. وبلغ الخمسين من عمره قبل أن ينشر كتاباً.
وفي ١٧٣٩ كلفه صديقان طباعان بكتابة مجلد صغير من نماذج للرسائل مرشداً "للقراء الريفيين الذين لا قدرة لهم على التحرير بأنفسهم"، ومعلماً في "التفكير والتصرف بصواب وحكمة في الشئون العادية لحياة الإنسان (٧٢) ". وبينما كان رتشاردسن يعد هذا الكتاب-وهنا اغتنمت العبقرية فرصة الظرف-خطر له أن ينسج سلسلة من الرسائل في قصة حب تشرح الفضيلة الحكيمة في بطلتها العذراء. ولعل