أخفقت. وإذ تقدر ما ينطوي عليه اشتهاؤه لها من تحية، تتعلم شيئاً فشيئاً أن تحبه، وتعد المراحل التي تتدرج فيها عاطفتها من الخوف إلى الحب، لمسة من اللمسات الرقيقة الكثيرة التي تدعم شهره رتشاردسن كاتباً سيكولوجياً. على أنها تقاوم كل حصاراته رغم ذلك، وينتهي به الحال إلى الانهيار، فيعرض عليها الزواج. وإذا أسعد باملا أنها أنقذت فضيلتها وروحه، فإنها تعتزم أن تكون زوجة إنجليزية مثالية: تلزم بيتها، وتتجنب الحفلات الفخمة، وتمسك حسابات الأسرة بعناية، وتوزع الصدقات، وتطهو الهلام والكعك والحلوى والفاكهة المحفوظة، وتكون شاكرة إذا تفضل عليها زوجها بالحديث معها بين الحين والحين هابطاً السلم الطبقي إليها. ويختتم رتشاردسن المجلد الثاني بعظة في فوائد الفضيلة في المسامة بين الجنسين، "إن ناشر هذه الصفحات سيحقق هدفه إذا أوحت (فضيلة باملا) بالقدوة المحمودة في عقول أي أشخاص أفاضل، قد يكتسبون بهذا حقاً فيما نالته باملا عن جدارة من أسباب الثواب والثناء والبركة".
وأضحك هذا بعض الإنجليز، مثل فيلدنج القوي الصلب، ولكن آلافاً مؤلفة من قراء الطبقة الوسطى شاركوا باملا خفقات قلبها في تعاطف. وأطرى رجال الدين الكتاب، وقد سرهم أن يجدوا مثل هذه الدعامات لعظاتهم في أدب بدا أنه باع نفسه لرئيس الشياطين (بعلزبول). ونفدت أربع طبعات من باملا في ستة أشهر. وبالطبع حث الناشرون رتشاردسن على مزيد من التنقيب في هذا المنجم الغني، ولكنه لم يكن بالكاتب المرتزق، ثم إن صحته بدأت تعتل. فتريث، ومضي في أعماله الطباعية. ولم يخرج رائعته التالية التي جاءته بأوربا البورجوازية كلها عند قدميه إلا عام ١٧٤٧.
وقد صدرت هذه الرائعة، واسمها "كلاريسا، أو تاريخ شابة" وطولها ألفاً صفحة، في سبعة مجلدات، ما بين نوفمبر ١٧٤٧ وديسمبر ١٧٤٨. وكان قد ساءه اتهامه بأن قصة باملا أظهرت الفضيلة مجرد خطة للمساومة، وأنها صورت فاسقاً صلحت حاله تصويرها لزوج صالح، لذلك عمد إلى إظهار الفضيلة هبة إلهية سوف تثاب في السماء، وإظهار فاسق سادر في غيه مقضياً عليه لا محالة بنهاية سيئة مدمرة،