للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دفع ثمن الفكر المركز والفن المسهب حساسية عصبية وأرقاً. وفي ٤ يوليو ١٧٦١ قضت عليه إصابة بالفالج.

وكان تأثيره الدولي أعظم من تأثير أي إنجليزي آخر في عصره باستثناء وسلي وبت الأب. وقد أعان في وطنه على صوغ المزاج الخلقي لإنجلترا جونسن، وعلى الارتفاع بأخلاقيات البلاط بعد جورج الثاني. وأسهم التراث الخلقي والأدبي الذي خلفه في تكوين رواية جولدسمث "قسيس ويكفيلد" (١٧٦٦) ورواية جين أوستن "العقل والوجدان" (١٨١١). أما في فرنسا فقد عد كاتباً لا ضريب له في القصة الإنجليزية. يقول روسو "لم تكتب قط في أي لغة رواية تعدل أو حتى تقترب من كلاريسا (٧٩) ". وقد ترجم الأبيه بريفوست رتشاردسن، ومسرح فولتير بأملا في "نانين" وصاغ روسو "هلويز الجديدة" على غرار كلاريسا موضوعاً وشكلاً وهدفاً خلقياً. وارتفع ديدرو إلى المناجاة المفرطة الحماسة في مقاله "تقريظ لرتشاردسن" (١٧٦١)، فقال لو أنه أكره على بيع مكتبته لما احتفظ من كتبه كلها إلا بهومر ويوربيديس وسوفوكليس ورتشاردسن. وفي ألمانيا ترجم جيلليرت باملا، وحاكاها، وبكى تأثراً من جرانديسن (٨٠)؛ وانتشي كلوبشتوك طرباً بكلاريسيا؛ وبنى فيلاند تمثيلية على جرانديسن؛ وراح الألمان يحجون إلى بيت رتشردسن (٨١). وفي إيطاليا مسرح جولدوني قصة باملا.

واليوم لا يقرأ أحد رتشاردسن إلا مضطراً بحكم الدرس، ونحن لا نملك الفراغ الذي يتسع لكتابة رسائل كهذه، فضلاً عن قراءتها؛ والناموس الأخلاقي الذي يدين به عصر صناعي دارويني يهرب في ضجر من المحاذير والقيود البيورتانية. ولكنا نعرف أن هذه الروايات مثلث ثورة الوجدان على عبادة الفكر والعقل، أكثر مما مثله شعر طومسن، وكولنز، وجراي، ونتبين في رتشاردسن الأب-كما تتبين في روسو البطل-لتلك الحركة الرومانسية التي ستنتصر في أواخر القرن على صنعة بوب الكلاسيكية وواقعية فيلدنج العارمة.