لأنهما كانا يسكنان بجوار سوق فشرع الصبي يسلك مسلك التجار ثم وجدت آخر الأمر داراً بقرب مدرسة فرضيت بها.
وكانت إذا أهمل الغلام دروسه تقطع خيط المُوم، فإذا سألها عن سبب هذا الإتلاف أجابت بأنها إنما تفعل ما يفعله هو نفسه بإهماله وعدم مثابرته على الدرس والتحصيل. وبذلك أصبح الصبي طالباً مجداً؛ ثم تزوج وقاوم في نفسه الميل إلى تطليق زوجته، وافتتح مدرسة لتعليم الفلسفة جمع فيها حوله طائفة من الطلاب ذاع صيتهم في الآفاق؛ وبعث إليه من كافة الأنحاء يدعونه ليناقشوه في نظرياته عن الحكم. ولم يشأ في أول الأمر أن يترك أمه المسنة، ولكنها أقنعته بالذهاب بخطبة حببتها إلى جميع رجال الصين، ولعل واحداً منهم هو الذي وضع هذه الخطبة:
"ليس من حق المرأة أن تفصل في أمر بنفسها، وذلك لأنها تخضع لقاعدة الطاعات الثلاث: فإذا كانت شابة وجب عليها أن تطيع أبويها، وإذا تزوجت كان عليها أن تطيع زوجها، وإذا ترملت وجب عليها أن تطيع ولدها. وأنت رجل كامل الرجولة، وأنا الآن عجوز، فافعل ما توحيه إليك عقيدتك بأنه حق واجب عليك أن تفعله، وسأفعل أنا ما يوجبه عليّ القانون الذي أأتمر بأمره. فلم إذن تشغل نفسك بي؟ "(١٦٥).
وأجاب منشيس ما طلب إليه لأن اللهفة على التعليم جزء من اللهفة على الحكم، ترتبط كلتاهما أشد الارتباط بالأخرى. وكان منشيس كفلتير يفضل الملكية المطلقة على الديمقراطية، وحجته في هذا أن الديمقراطية تتطلب تعليم جميع الشعب كله إذا أريد نجاح الحكم، أما النظام الملكي المطلق فكل ما يطلب فيه أن يثقف الفيلسوف رجلاً واحداً هو الملك ويعلمه الحكمة لكي ينشئ الدولة الكاملة.