ومن أقواله في هذا المعنى:"أصلح ما في عقل الأمير من خطأ. فإنك إن قومت الأمير استقرت شؤون الدولة"(١٦٦). وسافر أولاً إلى تشي وحاول أن يقوم أميرها شوان، ورضي أن يكون له فيها منصب فخري، ولكنه رفض مرتب هذا المنصب. وسرعان ما وجد أن الأمير لا يعنى بالفلسفة، فغادر تلك الإمارة إلى إمارة تانج الصغيرة، ووجد في حاكمها تلميذاً مخلصاً وإن يكن تلميذاً عاجزاً ضعيفاً. فعاد مرة أخرى إلى تشي، وأثبت أنه قد زاد حكمة وفهمهاً لحقائق الأمور بأن قبل منصباً ذا مرتب كبير عرضه عليه الأمير شوان. ولما توفيت أمه في هذه السنين الرغدة دفنها باحتفال عظيم وجه اللوم من أجله إلى تلاميذه، ولكنه برر لهم هذا العمل بقوله إن كل ما يرمى إليه هو أن يظهر إخلاصه ووفاءه لوالدته.
وبعد بضع سنين من ذلك الوقت تورط شوان في حرب للفتح والتملك، وساءه ما أشار به عليه منشيس من دعوة إلى السلام، رأى أنها جاءت في غير أوانها فأقاله من منصبه. وسمع منشيس أن أمير سونج يريد أن يحكم حكم الفلاسفة فسافر إلى عاصمته ولكنه وجد أن ما سمعه مبالغاً فيه كثيراً، وأن الأمراء الذين تردد عليهم كانت لهم أعذار كثيرة يبررون بها عدم استقامتهم واتباعهم النصح. فقد قال واحد منهم:"إن لدي ناحية من نواحي الضعف، وهي أني أحب البطولة والبسالة". وقال آخر:"إن لدي ناحية من نواحي الضعف وهي أني أحب الثروة"(١٦٧).
واضطر منشيس آخر الأمر إلى أن يعتزل الحياة العامة، وقضى أيام شيخوخته وضعفه في تعليم الطلاب وتأليف كتاب وصف فيه أحاديثه مع ملوك زمانه. وليس في وسعنا أن نقول إلى حد يمكن مقارنة هذه الأحاديث بأحاديث وولتر سفدج لاندر Walter Savage Lander (١) ؛ ولسنا واثقين من أن هذا
(١) أديب إنجليزي عاش بين سنتي (١٧٧٥ - ١٨٦٤). (المترجم).