كانت الحفلة الافتتاحية لأوبرا "أجربينا"(٢٦ ديسمبر ١٧٠٩) أبهج الانتصارات التي عرفها هندل إلى ذلك الحين. ولم تخالج الإيطاليين الكرماء الغيرة لأن ألمانيا تفوق عليهم في لعبتهم، وأراهم روائع من النغم، واقتحامات من الانتقال، وأفانين من الصنعة قل أن أدركها حتى موسيقيهم المفضل اليساندرو سكارلاتي، فهتفوا "يحي السكسوني الحبيب (٤٤) ". ونال نصيباً من هذا الهتاف المغني الباصو الممتاز جوزيبي بوسكي الذي تنقل صوته قفي يسر بين سلسلة كاملة من تسع وعشرين نغمة.
وخطب الكثيرون ود هندل الآن. فنصحه تشارلز مونتاجيو، ايرل مانشستر الذي كان سفيراً لبريطانيا في البندقية، بأن يذهب إلى لندن، وعرض عليه الأمير ارنست أوغسطس الأخ الأصغر للناخب جورج لويس، وظيفة قائد الفرقة الموسيقية الكنسية في هانوفر. لقد كانت البندقية رائعة، تتنفس الموسيقى، ولكن إلى متى يستطيع المرء أن يكسب قوته من أوبرا واحدة، وإلى متى يستطيع الركون إلى هؤلاء الإيطاليين المتقلبين؟ أما هانوفر ففيها ضباب، وغيوم، وكلام خارج من الحناجر، ولكن فيها أيضاً دار فخمة للأوبرا وراتب ثابت وطعام ألماني دسم؛ ثم أنه يستطيع بين الحين والحين أن يركب منها ليزور أمه في هاله. وعليه ففي ١٥ يونيو ١٧١٠ عين هندل قائداً للفرقة الكنسية في هانوفر، وكان يومها في الخامسة والعشرين، براتب سنوي قدره ألف وخمسمائة كراون، مع الأذن له بالغياب بين حين وحين. وفي خريف ذلك العام، طلب الأذن له بزيارة إنجلترا، فحصب عليه، ووعد بالرجوع سريعاً.
ب - غزو إنجلترا
كانت أوبرا لندن في محنة. ففيها فرقة إيطالية تغني، مغنيها الباصو بسكي، ومغنيتها الكونترالتو زوجته، ومغنيها السوبرانو نيكوليني الذي ذهب تشارلز بيرني، مؤرخ الموسيقى الغيور، إلى أنه "أول مغن عظيم حقاً غني في مسرحنا (٤٥) ". ولكن دار أوبرا هايماركت (وكانت يومها تسمى مسرح صاحبة الجلالة)، ومسرح