وأن ثلثي هذه العشور ذهب إلى الأسقف أو إلى أحد ذوي المناصب الكنسية الغائبين عنها، على أن كنيسة الأبرشية. ضناها ما كانت تعاني من خلل وحاجة إلى ترميم، مما تئن منه التقوى نفسها. إن هذه الكنيسة الحبيبة كانت دار بلديتهم، يعقدون فيها اجتماعاتهم القروية تحت رئاسة الكاهن. وفي سجل الأبرشية، وهو شاهد بقائهم صابرين متجلدين عبر الأجيال، كانت تدون مواليدهم وزيجاتهم ووفياتهم. وكان صوت أجراس هذه الكنيسة أنبل موسيقى ترن في آذانهم، والاحتفالات هي المسرحية التي تشد انتباههم وتبعث فيهم النشاط، وقصص القديسين ذخائر الأدب عندهم، كانت أعياد تقويم الكنيسة هي العطلات المحببة إلى نفوسهم. ولم ينظر الناس إلى عظات راعي الأبرشية ونصائحه وتحذيراته أو إلى تعليمه وتربيته لأبنائهم، على أنها تلقين مبادئ أسطورية لتدعيم لسلطان الكنيسة، بل نظروا إليها على أنها عون لا غنى عنه للنظام الأبوي والانضباط الخلقي، وعلى أنه إيحاء بنظام إلهي يتجلى فيه معنى الخلود الذي خفف من أسلوب حياتهم الممل الجاف في هذه الدنيا. فكانت العقيدة ثمينة أثيرة لديهم إلى حد الاستثارة إلى الفتك بمن يحاول انتزاعها منهم. ورحب الوالدان الفلاحان بالدين جزءاً من الواجبات اليومية في البيت، ونقلا إلى أولادهما الأساطير الدينية، وواظب الجميع على صلوات المساء والوالدان على رأسهم. وكان راعي الأبرشية يحب الناس كما أحبوه، فانضم إليهم في الثورة.
وتناقص عدد الرهبان والراهبات وأخوة الطوائف الدينية، ولكن نمت فيهم روح الفضيلة (٢٦) كما نمت ثروتهم. ونادراً ما كانوا الآن يتسولون أو يعيشون على الصدقات لأنهم وجدوا من الحكمة ومن الخير لهم أن ينتزعوا الوصية بالتوريث من الذين يدنو أجلهم ثمناً بدلاً من أن يستجدوا بعض البنسات من القرية، وفاضت بعض ثرواتهم على أعمال البر والإحسان، فأنفق كثير من الأديار على المستشفيات والملاجئ، ووزعت الطعام على الفقراء يومياً (٢٧). وفي ١٧٨٩ ألحت جماعات كثيرة على حكومة الثورة ألا تقضي على الأديار المحلية لأنها كانت المنظمات البارة المحسنة الوحيدة في