للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يعيش بين الآلات ويستمتع بالسلام (١٩٤). وهو يأبى أن يكون له ملك خاص ولا يجد للذهب نفعاً له في حياته؛ ويفعل ما فعله تيمن (١) الأثيني فيترك الذهب مخبوء في جوف التلال واللآلئ في أعماق البحار. والذي يمتاز به من غيره أنه يفهم أن الأشياء جميعها تخص خزانة واحدة وأن الموت والحياة يجب أن ينظر إليهما نظرة واحدة" (٢)، على أنهما نغمتان من أنغام الطبيعة المتناسقة أو موجتان في بحر واحد.

وكان الأساس الذي يقوم عليه تفكير جونج عين الأساس يقوم عليه تفكير لو- دزه شبه الأسطوري، وكان تفكير لو- دزه هذا يبدو لجونج أعمق كثيراً من تفكير كنفوشيوس، وكان في جوهره النظرة الصوفية لوحدة الكون غير الشخصية الشبيهة شبهاً عجيباً بنظرة بوذا وأتباع أبانيشاد، حتى ليكاد المرء يعتقد أن فلسفة ما وراء الطبيعة الهندية قد تسربت إلى الصين قبل أربعمائة عام من ظهور البوذية فيها حسبما يسجله المؤرخون. نعم إن جونج فيلسوف لا أدري، جبري، من القائلين بالحتمية ومن المتشائمين، ولكن هذا لا يمنعه أن يكون قديساً متشككاً، ورجلاً أسكرته الدَّرَّية؛ وهو يعبر عن تشككه هذا تعبيراً يميزه من غيره من أمثاله في القصة الآتية:

قال شبه الظل يوماً ما للظل" (٣) إنك تارة تتحرك وتارة تثبت في مكانكـ تارة تجلس وتارة تقوم. فلم هذا التذبذب في القصد وعدم الاستقرار فيه؟ " فأجابه الظل بقوله: "إن شيئاً أعتمد عليه هو الذي يجعلني أفعل ما أفعله،


(١) شخصية معروفة من شخصيات شكسبير في إحدى مسرحياته المسماة بهذا الاسم، اقرأ وصف هذه الشخصية في كتابنا "قصص من شكسبير". (المترجم)
(٢) ما أشبه هذا بقول حكيم المعرة: وشبيه صوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كل ناد (المترجم)
(٣) شبه الظل في الخسوف هو الجزء النصف المضاء بين الظل وبين الضوء. ولعل جونج يقصد بالظل في قصته جسم الإنسان الذي يستقطنه العقل المستنير بعض الاستنارة.