وكان احترامه للحكومات يعدل احترام سلفه الروحي لو- دزه، فكان يسره أن يشير إلى عدد ما يتصف به الملوك والحكام من صفات اللصوص (١٩١). ويقول إنه إذا أدى الإهمال بأحد الفلاسفة الحقيقيين، فرأى نفسه يتولى شؤون إحدى الدول، فإن الخطة المثلى التي يجب عليه أن يسلكها هي أن لا يفعل شيئاً، وأن يترك الناس أحراراً يضعون ما يشاءون من نظم حكمهم الذاتي. "لقد سمعت عن ترك العالم وشأنه والكف عن التدخل في أمره ولم أسمع عن حكم العالم"(١٩٢) ولم يكن ثمة حكومات في العصر الذهبي الذي سبق عهد أقدم الملوك.
ولم يكن يو وشون خليقين بما حبتهما الصين وحباهما كنفوشيوس من تشريف وتعظيم، بل كانا خليقين بأن يتهما بالقضاء على ما كانت الإنسانية تستمتع به من سعادة بدائية قبل إقامة نظم الحكم في الحكم في العالم:"لقد كان الناس في عهد الفضيلة الكاملة يعيشون مجتمعين كما يعيش الطير والحيوان، ولا يفترقون عنهما في شيء، تتألف منهم ومن جميع المخلوقات أسرة واحدة. وأنى لهم أن يعرفوا فيما بينهم ما يميز العظماء فيهم من غير العظماء؟ "(١٩٣).
ويرى جونج أن من واجب الرجل العاقل أن يولي الأدبار حين يشاهد أولى معالم الحكومة، وأن يعيش أبعد ما يستطيع عن الفلاسفة والملوك، ينشد السلام والسكون في الغابات (وذلك موضوع جد آلاف من المصورين الصينيين في رسمه) وأن يترك كيانه كله يتبع الدَّو المقدس- قانون حياة الطبيعة ومجراها الذي لا تدركه العقول- من غير أن يعوقه في ذلك تفكير أو تدبير، لا يتكلم إلا قليلاً لأن الكلام يضل بقدر ما يهدى، ولأن الدَّو- طريقة الطبيعة وجوهرها- لا يمكن التعبير عنه بالألفاظ أو في أفكار، بل كل ما في الأمر أنه يمكن الشعور به في الدم. وهو يرفض أن يستعين بالآلات ويؤثر عليها الطرق القديمة المجهدة التي كان يجري عليها بسطاء الرجال، وذلك لأن الآلات تؤدي إلى التعقيد والفتنة وعدم المساواة بين الناس، وليس في مقدور أي إنسان