لا يمس بفرشاته إلا ليبرز الأرداف والصدور. إنه لا يدرك ما هو الجمال .... فإن الكياسة والأمانة والبراءة والبساطة أصبحت كلها غريبة عليه. إنه لم ير الطبيعة لحظة واحدة قط، وعلى الأقل الطبيعة التي تدخل البهجة على نفسي، وعلى نفسك، مثل طفل كريم المولد، أو امرأة ذات وجدان حي. إنه مجرد من الذوق .... والواقع إنه في تلك اللحظة بعينها، عين الرسام الأول للملك (١٧٦٥)(١٤)".
ويحتمل ألا يكون بوشيه قد اطلع على هذا النقد قط لأنه كان موجهاً إلى قراء جريم الأجانب. فلنلق نحن نظرة على الفنان دون نية مبيتة للحقد عليه أو الإساءة إليه.
كان بوشيه ابناً صميماً من أبناء باريس. وكان أبوه يشتغل بوضع التصاميم، يملك محلاً بالقرب من اللوفر، ولقن ابنه فرنسوا مبادئ الرسم والنحت، وإذ أظهر الفتى استعداداً وموهبة فقد تتلمذ على النقاش لورنت كارز ثم على الرسام فرنسوا اليمويين. وحيث اشتغل برسم المشاهد للأوبرا، فإنه اجتمع هناك بنفر من الممثلات وبنات الفرقة الموسيقية. وانغمس في مباذل عهد الوصاية، بقدر ما أتاحت له إمكاناته (١٥) ويروي لنا إنه وقع مرة في حب رومانتيكي مع بائعة فاكهة جميلة اسمها روزيت، وبدا له أنه قد تجسدت فيها البساطة والطهارة معاً، فاتخذ منها نموذجاً للوحة لمريم العذراء، أفرغ فيها كل ما تبقى له من تقوى طفولته وصباه. ولكنه، وهو لم يكمل بعد هذه اللوحة انزلق إلى اتصال جنسي غير شرعي، وحين حاول أن يكملها أفلت من الوحي والإلهام، كما أفلتت من روزيت. ولم يسترجع قط لحظات هذا الخيال الرقيق اللطيف (١٦).
وتطورت مهارته ونمت بسرعة تحت إرشاد ليمونيين. وفي هذا المرسم تعلم شيئاً من نزعة كوريجيو إلى الأشكال النسوية ذات التقاطيع الكلاسيكية والرقة الناعمة. وفي قصر لكسمبرج درس اللوحات الزيتية المتألقة على القماش التي كان روينز قد حول فيها الحياة لماري مديتشي إلى ملحمة من اللون "وعظمة الشباب". وفي ١٧٢٣، وهو في سن العشرين فاز بجائزة رومه