في الملابس لا في الوجوه. وفي لوحة "الطفل والخذووف (النحلة) " خطا شاردان خطوته الثانية: اليدان بشعتان بعض الشيء، ولكن الوجه ينبئ عن عقل سليم. ووجد هذا الاعتناق الرقيق منفذاً في رسمه للبنات، كما هو الحال في التحفتين الرائعتين اللتين تضمهما مجموعة روتشيلد:"بنت تلعب تنس الريشة"، وأخرى "تتسلى بتناول غذائها".
إن شاردان لم ير في النساء الأغراء الباسم الذي أثار بوشيه، بل رأى فضائل وخصائص الزوجية والأمومة التي هي عماد الدولة، وهي التي تقودها إلى طريق الخلاص. ومع شاردان دخلت سيدات الطبقة المتوسطة مجال الفن الفرنسي، وحصلت على حقها فيه. إن هذا الفنان عرفها وأحبها في كل ما تقوم به من خدمات جليلة آسرة: إحضار الطعام من السوق، سحب الماء، تقشير السلجم، لف الصوف، العناية بالمريض، تحذير التلميذ من إهمال واجبه أو التهرب منه، أو كما أبرز شاردان في أشهر لوحاته "الخير والبركة"(٣٠) الإمساك عن الطعام حتى تكف صغرى البنات، ويداها الصغيرتان مضمومتان، عن الصراخ والبكاء ويشيع في وجهها ابتسام الرضا، ورأى المرأة دائماً في ملابس البيت، غير متبرجة، في حركة دائبة، تخدم زوجها وأولادها من الفجر وصلاة الصباح إلى أن يأووا جميعاً في أمان إلى فراشهم ويتدثروا. وإننا لنرى من خلال لوحات شاردان باريس وهي أكثر حكمة وأكبر عقلاً من الحاشية، لا تزال متعلقة بالأخلاقيات القديمة والعقيدة الدينية التي وفرت لها عوناً روحياً. وهذا هو أعظم فن نفعاً وصحة في كل تاريخ الفن.
إن هذه الصور التي يهلل لها العالم الآن لم تلق إلا رواجاً محدوداً جداً آنذاك، ولم تأت للفنان إلا بفرنكات معدودة تقيم أوده في بساطة قانعة. ولم يساوم مع عملاءه، وباع اللوحات بأي ثمن عرضوه عليه تقريباً, ولما كان يعمل في بطء وكد وجد، فإنه أنهك نفسه في فقر نسبي، على حين أن بوشيه استنفد جهده في يسر ورخاء. ولما توفيت زوجته الأولى بعد أربعة أعوام فقط من الزواج، آل مسكنه إلى حالة شديدة من الفوضى وسوء