وجنتي العذراء، وبريق السكين فوق مفرش المائدة الأخضر تحداه أن يمسك به في حركته السريعة، ويحاول تثبيته في فنه. وأبرز هذه الأشياء الصغيرة البسيطة في أمانة وتبصر، وبراعة فنية في اللون والمناسيب والضوء والظل، مما لم يتيسر إلا لقلة من الفنانين أن يبلغوه. وإننا لننظر إلى هذه الأشياء الطبيعية الميتة، ونحس بأنها حية وإننا لم نرها رؤية صادقة قط من قبل، وإننا لم نتحقق قط من تعقيد أشكالها وتفردها، ومن الفروق الدقيقة بين ظلال ألوانها، ولم يجد الشعر فقط في إناء من الأزهار أو عنقود من العنب، بل في مرجل قديم محطم، وفي جوزة، وفي قشرة برتقالة، وفي فتات كسرة من الخبز. ففي هذه كلها شعر دائماً كما كان الفلمنكيون والهولنديون قد عرفوا من قبل، ولكن من في فرنسا بوشيه وبمبادور خامره يوماً شعور بوجود هذا الشعر. وكان جمال هذه الأشياء بطبيعة الحال في عين الرائي أو المشاهد أو بالأحرى في نفسه. إن شعور شاردان القوي وبصيرته النافذة-وفقره-كل أولئك هو الذي جعل من مخزن حفظ الأطعمة قصيدة غنائية، ومن قائمة الطعام ملحمة شعرية.
وكل إنسان يعرف هذه القصة-أو الأسطورة؟ -كيف انساق شاردان إلى رسم الأشكال البشرية. إنه سمع ذات يوم صديقه أفيد يرفض ٤٠٠ جنيه أجراً لرسم لوحة لأحد الأشخاص، فعجب شاردان أشد العجب، وهو معتاد على الجور الضئيلة، لهذا الرفض. فما كان جواب أفيد إلا أن قال "هل تظن أن رسم إنسان سهل مثل رسم مرق التوابل (الصلصة). (٢٨). وكانت سخرية لاذعة، ولكن مفيدة. إن شاردان كان قد ضيق مجال موضوعاته تضييقاً شديداً، وسرعان ما كان يمكنه أن يشبع رغبات زبائنه وعملائه في الأطباق وألوان الطعام، وعقد العزم على رسم الأشخاص، وكشف في نفسه عن عبقرية في رسم الأشخاص في رقة وتعاطف، وكان هو الذي هيأ لهذه العبقرية أن تخمد. وقبل التحدي من فوره. ورسم لوحة لصديقة أفيد نفسه، "المتفاخر" (٢٩). وأتبعها بلوحة أحسن منها "دار لعب الورق". ولكن هنا أيضاً كان التفوق والامتياز