كتاب قصة الحضارة

نشاط الذهن - ٥ - مونتسكيو - ج: 36 - ص: 151

الحاشية، وخمول النبلاء المبذرين وسوء إدارة أموال الدولة، وأن يمتدح جمهوريات اليونان وروما القديمة، والجمهوريات الحديثة في هولندا وسويسرا. يقول أوزبك "إن الملكية نظام شاذ غير سوي، ينزلق إلى حكم استبدادي مطلق" (٥٨) (انظر فيما بعد رأياً مخالفاً).

وفي الرسائل من ١١ - ١٤ يوضح أوزبك طبيعة الإنسان ومشكلة الحكم بالتحدث عن سكان الكهوف (التروجلوديون) (١) الذين يتخيلهم عرباً انحدروا من التروجلودييين الذين وصفهم هيرودوت (٥٩) وأرسطو (٦٠) بأنهم قبائل همجية عاشت في أفريقية (قبل التاريخ). وكان تروجلوديو أوزبك يكرهون كل تدخل حكومي. ومن ثم قتلوا كل حاكم مفكر، وعاشوا في جنة من الحرية التامة "اتركه ليعمل" واستغل كل بائع حاجة المستهلك ورفع سعر منتجاته. وإذا اغتصب رجل قوي زوجة رجل ضعيف، فليس ثمة قانون أو حاكم يلجأ إليه. وأفلت القتل والاغتصاب والسلب والنهب دون عقاب، اللهم إلا الاقتصاص الخاص بالعنف، وإذا عانى سكان النجاد من الجفاف تركهم سكان الوهاد يموتون جوعاً، وإذا عانى هؤلاء من الفيضان تركهم سكان النجاد يهلكون. ومن ثم فنيت القبيلة، وبقى على قيد الحياة أسرتان بفضل الهجرة، وتبادلتا العون، ونشأتا أطفالهما على التمسك بالدين والفضيلة واعتبرتا أنهما أسرة واحدة، واختلطت قطعانهما دائماً تقريباً. (٦١) ولما زاد عددهم وجدوا أن أعرافهم غير كافية-لحكمهم فاختاروا ملكاً وخضعوا للقوانين. وانتهى أوزبك إلى أن الحكومة ضرورية ولكنها تعجز عن تأدية مهمتها إذا لم تكن قائمة على الفضيلة في الحاكم والمحكومين ..

وكانت الهرطقات الدينية في الرسائل أكثر ترويعاً وتنفيراً من الهرطقات السياسية. ويرى أوزبك أن الزنوج يتصورون أن الإله أسود وأن الشيطان أبيض. ويوحي (مثل زينوفون) بأنه إذا كانت المثلثات تتحدث عن

---

(١) قصد بهذه الكلمة في الأصل سكان الكهوف، أي الذين يحفرون جحوراً ليقيموا فيها. مثل خصومنا السياسين.