"الرسائل الفارسية" لأنه لم يتضمن أية بذاءات أو أية أشياء تجافي الاحتشام، بل كان يعالج موضوعاً قديماً معقداً وكان محافظاً نسبياً في سياسته ولاهوته. ولم يستسغ المتطرفون (الراديكاليون) التوكيد على أن يكون الانحطاط الخلقي سبباً للاضمحلال القومي، ولم يكونوا مستعدين ليقدروا عمق التقدير والحكمة الرائعة في عبارات مثل "أن الذين لم يعودوا يرهبون القوة في مقدورهم أن يظلوا على احترامهم للسلطة". (٧٠) وتعتبر هذه الرسالة الصغيرة الآن محاولة رائدة في فلسفة التاريخ، ورائعة من روائع النثر الفرنسي تعيد إلى الأذهان ذكرى بوسويه ولكنها تضيف الروعة إلى الوقار.
إن الموضوع جذب نظر المؤرخ الفيلسوف لأنه انتظم السلسلة الكاملة لحضارة عظيمة من الميلاد إلى الفناء، وعرض في نظرة شاملة وتفصيل رائع إحدى عمليات التاريخ الأساسية-وهي عملية الفناء أو الانحلال الذي يبدو أنه قدر محتوم أن يعقب كمال التطور في الأفراد والديانات والدول. وكان ثمة اشتباه في أن فرنسا بعد انقضاء القرن العظيم، قد دخلت في فترة طويلة من الاضمحلال في الإمبراطورية والأخلاق والأدب والفن. إن الثالوث المدنس: فولتير وديدرو وروسو-لم يكن قد بدأ بعد إنهم يتحدون التفوق الفكري والعقلي في القرن السابع عشر. ولكن جراءة العصر الجديد المتزايدة برزت في حقيقة أن مونتسكيو، وفي إيضاحه وشرحه لمجرى التاريخ لم يدرس إلا الأسباب الأرضية، وطرح جانباً في هدوء اللهم إلا لمحات من الإجلال الطارئ، العناية الإلهية التي نجدها في كتاب بوسيويه "بحث في تاريخ العالم" قد اتجهت بكل الأحداث إلى نتائج محتومة بقضاء هذه العناية الإلهية. ورأى مونتسكيو أن يفتش عن قوانين التاريخ، مثلما كان نيوتن يبحث عنها في الفضاء: "ليس الحظ هو الذي يحكم العالم، كما نرى من تاريخ الرومان … فثمة أسباب عامة معنوية أو مادية، تعمل عملها في كل مملكة، ترفعها أو تحافظ عليها أو تطيح بها، وكل ما يحدث خاضع لهذه الأسباب. وإذا كان ثمة سبب خاص يعينه، مثل النتيجة الطارئة لمعركة ما هو الذي قضى على دولة ما، فهناك