على العوامل الخارقة للطبيعة-لم يقم وزن كبير لتغيير الديانات، الذي أكده جيبون سبباً أساسياً لانهيار الإمبراطورية.
ولكن مونتسكيو كان دوماً يعود إلى ما أعتبره العامل الرئيسي في اضمحلال روما-وهو التحول من الجمهورية إلى الملكية, ذلك أن الرومان غزوا بفضل مبادئهم الجمهورية، كثيراً من الشعوب، ولكن في الوقت الذي حققوا فيه هذا، لم تقو الجمهورية على الصمود، وتسببت في الاضمحلال مبادئ الحكم الجديد وهي مخالفة لمبادئ الجمهورية (٧٣). ومهما يكن من شيء فأننا عدنا إلى الفصل السادس لنتفحص المبادئ الأساسية أو الوسائل التي قهرت بها الجمهورية الرومانية "كل الشعوب" نجد مجموعة منوعة غريبة: الخداع، نقض المعاهدات، العنف والقوة، العقوبات الصارمة، بذر بذور الشقاق بين العدو ليسهل قهره تدريجياً، (فرق تسد)، نقل السكان من مكان إلى مكان بالقوة، تعكير جو الحكومات المناهضة ومحاولة القضاء عليها بتقديم المساعدات للثورات الداخلية ورشوة القائمين بها. وغير ذلك من الإجراءات المألوفة لدى رجال الدولة. واستخدم الرومان حلفاءهم في القضاء على أعدائهم، وسرعان ما استداروا ليدمروا هؤلاء الحلفاء (٧٤) وواضح-أن مونتسكيو-ناسباً هذا الوصف للمبادئ الجمهورية أو مزدردا ميكافيللي في جرعة واحدة-اعتبر في الفصل الثامن عشر، الجمهورية مثلاً أعلى للعظمة، ورثى الإمبراطورية منزلقاً بهيجاً للانحلال. ومع ذلك اعترف بفساد السياسة في الجمهورية وبالعظمة السياسية للإمبراطورية في ظل "حكمة نرفاء، ومجد تراجان، وبسالة هادريان وفضائل الاثنين الانطونينيين"(٧٥) وهنا وجه مونتسكيو كلاً من جيبون ورينان إلى تسمية هذه الحقبة "أكرم وأسعد حقبة في تاريخ الحكومة". ولدى هؤلاء الملوك الفلاسفة وجد مونتسكيو أيضاً أخلاق الرواقين التي فضلها بصراحة ووضوح على الأخلاق المسيحية، وانتقل إعجاب مونتسكيو بالرومان في عهد الجمهورية إلى الفرنسيين المتحمسين للثورة، وأسهم في تغيير الحكومة الفرنسية، والنظم العسكرية والفنون في فرنسا.