ووقع في الكتاب بعض أخطاء في عمل علمي عجل به ضغط الوقت والرغبة في إنجاز مهمة أضخم. فلم يكن مونتسكيو في بعض الأحيان مدققاً في استخدام النصوص القديمة. من ذلك، على سبيل المثال أنه أخذ الفصول التي كتبها ليفي عن "نشأة روما" على أنها تاريخ، على حين أن فاللا وجلارونوس وفيكو رفضوا هذه الرواية على أنها أسطورة. ويبخس مونتسكيو من قيمة العوامل الاقتصادية وراء سياسة جراتشي وقيصر، ولكن في نقابل مواطن الضعف هذه، فأن نظرة أوسع لا بد أن تحيط ببلاغة الكتاب وقوته وتركيز أسلوبه، ويعمق التفكير وأصالته، ومحاولة المؤلف الجريئة في أن يرسم في صورة واحدة ارتفاع وسقوط حضارة كاملة، ويرتفع بالتاريخ من مجرد سجل للتفاصيل إلى تحليل النظم ومنطق الأحداث. وهنا كان ثمة تحد للمؤرخين، كان على فولتير وجيبون أن يسعيا لمواجهته، كما كان هنا تلهف على فلسفة للتاريخ قد يحاول مونتسكيو نفسه، بعد جيل من الكد والجد أن يتبعه بكتاب "روح القوانين".
جـ- روح القوانين
مضت أربعة عشر عاماً بين ظهور كتاب "النظرات" وكتاب "روح القوانين" بدأ مونتسكيو أروع أعماله هذا حوالي ١٧٢٩، وهو في سن الأربعين. وكان موضوع روما حصيلة جانبية أو ثانوية إعتراضية. وفي ١٧٤٧ حين بلغ السادسة والخمسين لقي من العمل نصباً وكأن به ميلاً إلى تركه، "كثيراً ما شرعت في هذا الكتاب، وكثيراً ما طرحته جانباً. وقذغت بالأوراق التي كتبتها ألف مرة. "(٧٦) وأهاب بالموزيات ربات الفنون والعلوم أن يرعينه ويساعدنه: "إن الدرب طويل، ولقد أضناني الأسى والإرهاق، أدخلن على قلبي البهجة والفتنة اللتين تدفعان بي إلى السير في الطريق، لقد عرفتهما يوماً، ولكنهما الآن تخلتا عني أنتن لستن مقدسات مطلقاً، إلا حين تتولين قيادنا، عن طريق اللذة والسرور، إلى الحكمة والحق"(٧٧). ولا بد أن هؤلاء الربات استجبن لندائه، لأنه واصل العمل. ولما انتهت المهمة في خاتمة المطاف اعترف بتردده واعتداده بنفسه