وزهوه: لقد سلكت طريقي نحو الهدف دون إعداد خطة. ولم أعرف أية قاعدة ولا شواذ وما عثرت على الحقيقة إلا لافتقادها ثانية. ولكن عندما وقعت على الأصول والمبادئ ذات مرة وأتاني كل ما كنت أفتش عنه، وفي غضون عشرين عاماً، وجدت أن العمل قد بدأ وخطا خطوات ثم أشرف على الاكتمال، حتى أنجز … وإذا صادف هذا العمل نجاحاً، فأني سأكون مديناً به لعظمة الموضوع وجلاله. ومهما يكن من أمر، فلست أظن أني كنت مفتقراً إلى العبقرية كل الافتقار, ولما رأيت كم من عظماء الرجال في فرنسا وألمانيا طرقوا هذا الموضوع قبلي، تملكتني الحيرة إعجاباً بهم، ولكن لم أفقد شجاعتي ولم يزايلني الإقدام، وقلت مع كوريجيو "وأنا أيضاً رسام"(٧٨).
وعرض المخطوطة على هلفشيوس وهبنولت وفونتبيل، ورأى هذا الأخير أن البحث يفتقر إلى طلاوة الأسلوب الفرنسي. (٧٩) وتوسل هلفشيوس إلى المؤلف ألا يسيء سمعته الطيبة بوصفه متحرراً بنشر كتاب يتساهل إلى هذا الحد مع كثير من المعتقدات المحافظة المتمسكة بالقديم (٨٠). وقرر مونتسكيو أن هذه التحذيرات غير ذات موضوع، وتقدم للطبع. ولما كان يخشى الرقابة الفرنسية فانه أرسل المخطوطة إلى جنيف، وهناك صدر الكتاب ١٧٤٨ في مجلدين، دون ذكر اسمه. وحين كشف رجال الدين الفرنسيون عن هرطقاته شجبوه وصدر أمر الحكومة بمنع تداوله في فرنسا. وفي ١٧٥٠ تولى مالشرب-منقذ دائرة المعارف فيما بعد-شئون الرقابة، رفع الحظر عن الكتاب، وسرعان ما شق طريقه وصدرت منه وعشرون طبعة في عامين، وسرعان ما ترجم إلى لغات أوربا المسيحية.
وكانت العنونات على أيام مونتسكيو توضيحية حقاً، دقيقة غالباً. ولذا سمى كتابه "في روح القانون" أو "في العلاقات التي يجب أن تقوم بين القوانين وبين دستور كل حكومة، والعادات والمناخ والديانة والتجارة، وغيرها". وكان بحثاً في العلاقات بين القوى المادية والأنماط الاجتماعية، وفي