وينصرفوا إلى دراسة نيوتن. إن حكم الرأي العام في إنجلترا على هذين المفكرين هو إن أولهما كان حالماً والثاني حكيماً. وقدر فولتير أعظم تقدير إضافات ديكارت إلى الهندسة، ولكنه لم يستسغ الدوامات الكونية عند ديكارت. إنه أقر بأن ثمة شيئاً وهمياً غامضاً، أو على الأقل مخدراً في مقالات نيوتن عن الكرونولوجيا القديمة (تقسيم الزمن إلى فترات وتعيين تاريخ الأحداث) وسفر الرؤيا، وأوحى فولتير بشكل لطيف بأن نيوتن كتب هذه المقالات ليعزي البشرية عن تفوقه البالغ عليها (٢١) إنه وجد أن نيوتن ما زال عويصاً يصعب فهمه، ولكن اجتماع الرجال البارزين في الحكومة وفي ميدان العلوم لتشييع جنازته ترك في نفسه أثراً عقد معه العزم على دراسة قوانين نيوتن، وعلى أن يكون رسول نيوتن إلى فرنسا، وهنا أيضاً غرس فولتير بذور دائرة المعارف وعصر التنوير.
وأخيراً صدم فولتير الفكر الديني في فرنسا بنقد لاذع وجهه إلى آراء بسكال. إنه لم يقصد تضمين هذا في رسائله، فليس لهذا علاقة بإنجلترا، ولكنه كان قد أرسله من إنجلترا إلى تيير ١٧٢٨، فألحقه الناشر اللص بالرسائل باسم رقم ٢٥، وكانت النتيجة أن الجانسنيين-الذين قدسوا بسكال إلى حد العبادة، وسيطروا على برلمان باريس-، فاقوا الآن اليسوعيين (الذين لم يحبوا بسكال قط) في استنكار فولتير وشجبه وكان فولتير غير قابل أساساً للاتفاق مع بسكال حيث كان في هذه المرحلة (اللهم إلا في رواياته) عقلانياً متشدداً لم يكن قد وجد بعد مجالاً للوجدان في فلسفته. وكان لا يزال شاباً ممتلئاً حيوية ونشاطاً ينعم بالحياة وسط محنه البطولية، ومن ثم عارض التشاؤم الجزع الكئيب عند بسكال "ولسوف أتجاسر فأقوم بدور الجنس البشري ضد هذا المبغض للشر المهيب"(٢٢) ورفض "رهان" بسكال (أي أنه من الأحكم أن نراهن على وجود الله لا العكس) باعتباره عملاً صبيانياً يجافي الحشمة والوقار … إن اهتمامي بالاعتقاد بشيء ليس برهاناً على أن هذا الشيء موجود" (٢٣) ولم يعرض بسكال الرهان (على أنه برهان) وسلم بأنه ليس في مقدورنا أن نفسر الكون أو نعرف قدر