للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان، ولكنه أرتاب في أننا نستطيع من هذا الجهل أن نستنتج صدق قانون الإيمان المسيحي الذي جاء به الرسل. كما أنه لم يحس في هذا العصر المرح المفعم بالحيوية بأي تعاطف مع تطلع بسكال إلى الراحة والدعة، حيث نادى بأن الإنسان "خلق ليعمل … فعدم العمل وعدم الوجود سيان بالنسبة للإنسان (٢٤) ".

وليست "ملاحظات على أفكار بسكال" أفضل ما كان يمكن أن تجود به قريحة فولتير. أنه لم يكن قد أعدها للنشر، ولم يكن لديه الفرصة لمراجعتها وتنقيحها. وقضت الأحداث اللاحقة-مثل زلازل لشبونة-على نضارة تفاؤله الفتي. وعلى الرغم من هذا الملحق غير المدروس وغير الجدير بالاعتبار، فإن "الرسائل الفلسفية" كانت أحد المعالم البارزة في الأدب الفرنسي والفكر الفرنسي. فهنا لأول مرة ظهرت الجمل الموجزة الدقيقة والوضوح المبين والذكاء المرح والتهكم اللاذع، وأصبح كل هذا منذ الآن طابعاً أدبياً مميزاً يتجاوز ويتجاهل الحرص على إنكار اسم المؤلف. إن هذا الكتاب، وكتاب الرسائل الفارسية حددا أسلوب النثر الفرنسي من عهد الوصاية إلى عصر الثورة. وفوق هذا فإنها أحكمت حلقة من أقوى الحلقات في الربط بين المفكرين الفرنسيين والإنجليز، وهي كما قدر بكل "أهم حقيقة إلى حد بعيد في تاريخ القرن الثامن عشر" (٢٥) إنها كانت بمثابة إعلان حرب ومخطط شن حملة. وقال روسو عن هذه الرسائل إنها قامت بدور كبير في إيقاظ عقله. ولا بد أن آلافاً من شباب فرنسا دانوا لها بمثل هذا الفضل. وقال عنها لافاييت أنها صيرته جمهورياً وهو في التاسعة من عمره. ورأى هين "إنه لم يكن لزاماً على رقيب المطبوعات أن يصادر هذا الكتاب حيث كان لا بد من قراءته بغير هذا الإجراء" (٢٦).

وأحست الكنيسة والدولة والملك والبرلمان أنهم لم يعودوا يطيقون صبراً على مثل هذه الجراح الكثيرة في صمت، فأرسل صاحب المطبعة إلى سجن الباستيل، وصدر أمر سري مختوم بالقبض على فولتير أينما وجد. وفي ١١ مايو ظهر أحد رجال الشرطة يحمل أمراً بالقبض عليه. ولكن من