في الإنسان، ولكنه يشعر بأن إرادته حرة. وقبل هيوم وآدم سميث يزمن طويل نرى فولتير يستمد روح الأخلاق من التعاطف بين الناس بعضهم مع بعض، وقبل هلفشيوس وبنتام بزمن طويل أيضاً نرى فولتير يحدد الفضيلة والرذيلة بما هو مفيد وغير ضار بالمجتمع (٥١) وسنعود إلى هذه الرسالة فيما بعد.
وكم اختلفت هذه الرسالة عن الشعر المرح الذي نظمه فولتير في تاريخ جان دارك وأنا إذا فتحنا الملحمة الساخرة اليوم فلا بد لنا أن يقفز إلى ذاكرتنا أن الكلام الفرنسي والأدب الفرنسي كانا أكثر تحرراً آنذاك منهما في النصف الأول من القرن العشرين. ولقد رأينا نموذجاً في الرسائل الفارسية للحاكم مونتسكيو، بل أن ديدرو كان أكثر حرية لا في الجواهر المنظومة فحسب، بل في جاك المؤمن بالقضاء والقدر كذلك. فإذا قورنت جان دارك بهذين الكتابين كما نشرها أخيراً فولتير ١٧٥٦، لوجدناها معتدلة بشكل محمود. ومن المحتمل أن الأصل الذي جرى تداوله سراً كان أقرب إلى أسلوب رابليه، ودافع كوندرسيه الوقور الرزين عن القصيدة وروى أن مالشرب وهو أحد كبار موظفي الحكومة الفرنسية حفظها عن ظهر قلب (٥٢)، ووجد في القسم الحادي والعشرين من القصيدة بعد بحث مجهد، بعض أبيات معتدلة في فسقها وشهوانيتها يمكن التجاوز عنها مثل الصور الشبيهة بها عند آريوستو، وقد عوض عنها بقطع كثيرة تقدم وصفاً رائعاً وسرداً بارعاً، وكان فولتير مثل كثير من الفرنسيين في زمانه يرى في جان دارك بنتاً فلاحة بريئة ساذجة، وربما كانت ابنة غير شرعية استسلمت للخرافات واعتادت سماع (الأصوات)، وارتاب في أن فرنسا كان لا بد أن تنقذ من الغزو الإنجليزي حتى ولو لم تولد هي قط. وفيما عدا هذا ومع التسامح في بعض الأخطاء التاريخية، فإنه روى القصة بأمانة مع تمليحها ببعض الدعابة ومال الملك برأسه نحو جان الباسلة التي لا تهاب شيئاً، وقال في صوت مهيب يرهبه الجميع إلا هي وحدها، أنصتي إلى ياجان، إذا كنت عذراء حقاً فأقسمي اليمين، فأجابت: مولاي العظيم،