للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما أشار عليه وزراؤه بوضع القوانين الصارمة لقمع الجرائم قال لهم: "إني إذا أنقصت نفقات المعيشة، وخففت أعباء الضرائب، ولم أستعن إلا بالأمناء من الموظفين حتى يحصل الناس على كفايتهم من الكساء، كان أثر هذه الأعمال في منع السرقات أعظم من أثر أقسى أنواع العقاب" (٢٧).

وزار الإمبراطور يوماً سجون شانجان فرأى فيها مائتين وتسعين سجيناً حكم عليهم بالإعدام. فلم يكن منه إلا أن أرسلهم ليحرثوا الأرض واكتفى منهم بأن يعدوه بشرفهم أن يعودوا إلى سجنهم. وكان أن عادوا جميعاً، وبلغ من سرور تاي دزونج أن أمر بالإفراج عنهم كلهم، وسن من ذلك الوقت قانوناً يقضي بالا يصادق أي إمبراطور على حكم بالإعدام إلا بعد أن يصوم ثلاثة أيام. وجمّل عاصمة ملكه حتى أقبل عليها السياح من الهند ومن أوربا، وجاء إلى الصين عدد كبير من الرهبان البوذيين الهنود، وكان البوذيون الصينيون أمثال يوان جوانج يسافرون بكامل حريتهم إلى بلاد الهند ليأخذوا دين الصين الجديد عن مصادره الأصلية. وجاء المبشرون إلى شانجان ليبشروا بالأديان الزرادشتية والنسطورية المسيحية، وكان الإمبراطور يرحب بهم كما كان يرحب بهم أكبر، ويبسط عليهم حمايته، ويطلق لهم كامل حريتهم، ويعفي معابدهم من الضرائب، وذلك في الوقت الذي كانت فيه أوربا تعاني آلام الفاقة والجهالة والمنازعات الدينية. أما هو نفسه فقد بقى كنفوشياً بسيطاً بعيداً عن التحيز والتحكم في عقول رعاياه، وقد قال عنه مؤرخ نابه إنه لما مات حزن الناس عليه حزناً لم يقف عند حد، وبلغ من حزن المبعوثين الأجانب أنفسهم أن كانوا يثخنون أجسامهم بالجراح بالمدي والحراب، وينثرون دماءهم التي أراقوها بأنفسهم طائعين على نعش الإمبراطور المتوفي" (٢٨).

لقد مهد هذا الإمبراطور السبيل إلى أعظم عصور الصين خلقاً وإبداعاً، فقد نعمت في عهده بخمسين عاماً من السلام النسبي واستقرار الحكم فشرعت