للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تصدر ما زاد على حاجتها من الأرز والذرة والحرير والتوابل، وتنفق مكاسبها في ضروب من الترف لم يسبق لها مثيل. فغصت بحيرتها بقوارب التنزه المنقوشة الزاهية الألوان، واكتظت أنهارها وقنواتها بالسفن التجارية، وكانت المراكب تخرج من موانيها تمخر عباب البحار إلى الثغور البعيدة على شواطئ المحيط الهندي والخليج الفارسي. ولم تعرف الصين قبل ذلك العهد مثل هذه الثروة الطائلة؛ ولم تستمتع قط بما كانت تستمتع به وقتئذ من الطعام الوفير، والمساكن المريحة، والملابس الجميلة (٢٩). وبينما كان الحرير يباع في أوربا بما يعادل وزنه ذهباً (٣٠)، كان هو الكساء المألوف لنصف سكان المدن الصينية الكبرى، وكانت الملابس المتخذة من الفراء في القرن الثامن في شانجان أكثر منها في نيويورك في القرن العشرين. وكان في إحدى القرى القريبة من العاصمة مصانع للحرير تستخدم مائة ألف عامل (٣١). وصاح لي بو في إحدى الولائم: "ما أعظم هذا الكرم، وما أكثر هذا الإسراف في المال! أأقداح من اليشم الأحمر، وأطعمة شهية نادرة على موائد مرصعة بالجواهر الخضراء؟ " (٣٢). وكانت التماثيل تنحت من الياقوت، وأجسام الأثرياء من الموتى تدفن على فرش من اللؤلؤ (٣٣). وكأنما أولع هذا الجنس العظيم بالجمال فجأة، وأخذ يكرم بكل ما في وسعه من كان قادراً على خلق هذا الجمال. ومن أقوال أحد النقاد الصينيين في هذا: "ذلك عصر كان فيه كل رجل بحق شاعرا" (٣٤). ورفع الأباطرة الشعراء والمصورين إلى أعلى المناصب. ويروي "سير جون مانفيل" (١) Sir John Manville أن أحداً من الناس لم يكن يجرؤ على أن يخاطب الإمبراطور إلا "إن كان شاعراً مطرباً يغني وينطق بالفكاهات" (٣٥). وأمر أباطرة المانشو في القرن الثامن عشر الميلادي أن يوضع سجل يحوى ما قاله شعراء تانج، فكانت


(١) ذلك اسم مصطنع لطبيب فرنسي كتب في القرن الرابع عشر كتاباًً في الأسفار معظمها خيالي، ولا تخلوا بعضها من فائدة، ولكنها كلها فتانة رائعة.