إلى البارتيتات أو المتتابعات في "تمرينات الموترة" خمس عشرة متتابعة لرقصات. وسميت ستة منها بالمتتابعات الإنجليزية لأسباب نجهلها الآن، وستة بالمتتابعات الفرنسية، وهذه التسمية أوضح لأنها نسجت على منوال النماذج الفرنسية واستعملت ألفاظاً فرنسية بما فيها كلمة Suite ( أي المتتابعة) ذاتها. وفي بعضها تطغى مهارة الصنعة، فتسمع حتى الآلات الوترية تبعث أنغاماً يغلب عليها النفخ. ومع ذلك فأن أبسط الناس يستطيع أن يحس ذلك لجمال المهيب الذي يفيض به لحنه الشهير "أريوزو" أو "لحن لوتر المقام G" الذي يؤلف الحركة الثانية للمتابعة رقم ٣. وقد نسيت هذه المؤلفات أو كادت بعد موت باخ، حتى عزف مندلسون أجزاء منها لجيته في ١٨٣٠، وأقنع أوركسترا قاعة تجار الأجواخ بليبزج ببعثها سنة ١٨٣٨.
واقتبس باخ شكل الكونشرتو كما مارسه فيفالدى، واستخدمه في شتى أنواع التشكيلات الآلية. والحركة البطيئة بطئاً مهيباً، عند موسيقى ولد بمزاج معتدل البطء، تجعل كنشرتو الكمان بمقام D الصغير مبهجاً جداً، كذلك فإن الحركة البطيئة في كنشرتو الكمان رقم ٢ بمقام E هي التي تؤثر فينا بعمقها الحزين ورقتها المتألقة. وربما كان أعذب هذه القطع الموسيقية هو الكونشرتو بمقام D الصغير لكمانين، والنشيط vivace منهما تصوير خالص دون لون، كأنه شجرة دردار شتوية، ولكن الأريث Largo لقطة أثيرية من الجمال الصافي- الجمال المعتمد على ذاته، دون "برنامج" أو أي شائبة فكرية تشوبه.
ولكونشرتات براندبنودج تاريخها الخاص. ففي ٢٣ مارس ١٧٢١ بعث بها باخ إلى أمير، نسيه الناس إلا في هذا الأمر، مشفوعة بهذه الرسالة بالفرنسية، التي صاغها كاتبها بأسلوب عصره. قال:
إلى صاحب السمو الملكي الأمير كرستيان لودفج، حاكم براندنبورج: مولاي:
بما أنني تشرفت بالعزف أمام سموكم قبل عامين، ولاحظت أنكم استشعرتم شيئاً من السرور بالموهبة المتواضعة التي حبتني بها السماء في الموسيقى، وحين انصرفتم سموكم الملكي شرفتموني بأمر لي بأن أبعث إليكم ببعض قطع