للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في مكتبته ثلاث وثمانين مجلداً في اللاهوت، أو التفسير، أو الوعظ والإرشاد. وقد أضاف إلى عقيدته اللوثرية، المستقيمة، الرجولية، مسحة من الغيبة، ربما أخذها عن الحركة التقوية في زمانه-مع أنه عارض التقوية لعدائها لأي موسيقى كنسية غير التراتيل. وكان أكثر موسيقاه ضرباً من العبادة. وقد ألف أن يبدأ التلحين بصلاة يقول فيها "أعني يا يسوع" وكان يستهل كل مؤلفاته تقريباً ويختمها بإهدائها لجلال الله ومجده. وعرف الموسيقى بأنها "تناغم لطيف لمجد الله وبهجة الروح المباحة" (٦٥).

وفي الصور التي خلفها لنا في أخريات عمره نرى فيه الرجل الألماني النموذجي، عريض المنكبين، بديناً، ممتلئ الوجه أحمره، عظيم الأنف، له إلى ذلك كله حاجبان مقوسان أضفيا عليه نظرة متسلطة يشوبها بعض الغيظ والتحدي. وكان طبعه حاداً وقد حارب ببأس شديد دفاعاً عن منصبه وآرائه، أما فيما عدا ذلك فقد كان أشبه بدب دمث لطيف يستطيع أن يطأطئ وقاره مازحاً إذا توقفت المعارضة. ولم يشارك بنصيب في حياة ليبزج الاجتماعية، ولكنه لم يكن ضنيناً باستضافة الأصدقاء، ومن بينهم منافسون كثيرون من أمثال هاسي وجراون. وكان متعلقاً بأسرته، يستغرقه عمله وبيته. وقد درب جميع أطفاله العشرة الأحياء على الموسيقى، وزودهم بالآلات، واحتوى بيته خمس موترات مفاتيح، وعوداً، وفيولا للساق، وعد كمانات، وفيولات، وفيولنتشلات. كتب إلى صديق في تاريخ مبكر (١٧٣٠) يقول "أستطيع الآن أن أحي حفلة موسيقية، صوتية وآلية، من أفراد أسرتي" (٦٧). وقد يتاح لنا في موضع لاحق أن نرى كيف واصل أبناؤه وفاقوه شهرة.

ثم وهن بصره في أخريات عمره. وفي ١٧٤٩ ارتضى أن تجرى له جراحة على يد نفس الطبيب الذي عالج هاندل بنجاح في الظاهر، ولكن الجراحة أخفقت هذه المرة وتركته مكفوف البصر تماماً. وعاش بعدها في حجرة معتمة لأن النور الذي لم يستطيع رؤيته كان يؤذي عينيه. على أنه واصل التلحين رغم بلواه، شأنه في ذلك شأن بيتهوفن الأصم، وراح الآن