من النبلاء كبيرة العدد حربية النزعة، لم تعد مجرية الجنس إلا في قسم منها، أن تدفع الضرائب الإمبراطورية، وكرهت الحكم النمساوي. ولم يكن يملك أرضاً في المجر سوى النبلاء والكنيسة، فقسماها ضياعاً شاسعة يفلحها الأقنان، وجنيا منها الدخول التي بنيا بها كبار الأديار والقلاع والقصور، ورعيا الموسيقى والفن. وكان بعض النبلاء يمتلك خمسين ألف فدان للواحد، وكانت أسرة استرهازي تملك سبعة ملاين فدان (٢).
أما النمسا نفسها، اكبر المستفيدين في الإمبراطورية، فكانت تنعم بالرخاء. فبينما لم يزد سكان المجر على مليونين، بلغ سكان النمسا زهاء ٦. ١٠٠. ٠٠٠ في ١٧٥٤ زادوا إلى ٨. ٥٠٠. ٠٠٠ في ١٨٠٠. وفيها هي أيضاً كانت الأرض ملكاً للنبلاء أو الأكليروس يفلحها الأقنان؛ وقد عمرت القنية في النمسا حتى ١٨٤٨. وكان شأن الضياع فيها شأنها في إنجلترا يحتفظ بها ملوكها كاملة بحق البكورة، الذي يقضي بأن تورث الأرض كلها للابن البكر، أما الأبناء الأصغر منه فيعوضون بوظائف في الجيش، أو الكنيسة، أو الإدارة؛ وهكذا بلغت حاشية الإمبراطور شارل السادس أربعين ألفاً، ولم يكن في النمسا طبقة وسطى غنية تتحدى سلطان الأرستقراطية الطاغي أو تخفف من دمها الأزرق. وكانت الزيجات مسألة بروتوكول. وأبيحت الخليلات والعشاق بقانون غير مكتوب، على ألا يجاوز هذا نطاق الطبقة. وقد كتبت الليدي ماري مونتاجيو من فيينا في ١٧١٦، ربما بما يعهد في الرحالة من مبالغات، فقالت:
"من العادات الراسخة أن يكون لكل سيدة نبيلة زوجان، إحداهما حامل الإسم والآخر القائم بالواجبات، وهذه الارتباطات معروفة جداً حتى أن القوم يعدونها إهانة صريحة تشجب علناً أن تدعو امرأة من علية القوم إلى الغداء دون أن تدعو في الوقت ذاته تابعيها هذين … العشيق والزوج اللذين تجلس هي بينهما رسمياً في وقار شديد … والمرأة تتطلع إلى عشيق حالما تتزوج باعتباره جزءاً من حاشيتها (٣).
وكانت الطبقة الأرستقراطية، في جميع أرجاء هذه الدولة التي كانت تتحول