شارك ملبره صد جيوش لويس الرابع عشر؛ فانتزعت بلغراد من العثمانيين، وسردانيا من سافوى، وميلان ونابلي والأراضي المنخفضة الإسبانية من أسبانيا. ورقي أوجين لا قائداً عاماً لجميع الجيوش النمساوية فحسب، بل وزيراً أول ومديراً للدبلوماسية. والواقع أنه بسط سلطانه على كل شئ إلا الأوبرا، ولكنه- وقد أذعن للناموس الذي يبلي أجساد البشر-أصاب الوهن عقله لا جسمه فحسب. وفي حرب الوراثة البولندية (١٧٣٣ - ٣٥) انزلقت النمسا إلى صراع مع فرنسا، وإسبانيا، وسافوي (التي كانت تعرف آنئذ بمملكة سردانيا الصغيرة) وخسرت اللورين، ونابلي، وصقلية (١٧٣٥ - ٣٨)، وأسفر تحالفها مع روسيا عن حرب أخرى مع تركيا؛ وضاعت منها البوسنة، والصرب، والأفلاق، وعادت بلغراد تركية من جديد (١٧٣٩). ولم يؤت الإمبراطور من المواهب ما يعوض به المواهب التي افتقدها معاونوه. وإليك رأى فردريك الأكبر فيه:
"أخذ شارل السادس من الطبيعة الصفات التي تصنع المواطن الصالح، ولكنه لم يأخذ صفة من تلك التي تصنع الرجل العظيم. كان سمحاً دون تمييز، له روح محدودة دون بصيرة ثاقبة؛ وكان قادراً على الانكباب على العمل، ولكن دون عبقرية، يجهد نفسه دون أن ينجز الكثير، ويجيد معرفة القانون الألماني، وعدة لغات، وقد نبغ في اللاتينية على الأخص. وكان أباً صالحاً وزوجاً صالحاً، ولكن شابه ما شاب جميع أمراء البيت المالك النمساوي من تعصب وميل للخرافة"(١٨).
وكان عزاءه وفخره في كبرى بناته ماريا تريزا، التي وطد العزم على توريثها عرشه: ولكن أباه ليوبولد الأول كان قد أبرم (١٧٠٣)"ميثاقاً متبادلاً للوراثة" تقرر فيه أن يحكم الوراثة مبدأ حق الابن البكر؛ فإذا لم يوجد وريث ذكر انتقل التاج إلى بنات ابنه جوزيف (المولود في ١٦٧٨) ثم إلى بنات ابنه شارل (المولود في ١٦٨٥). وترك موت جوزيف الأول في ١٧١١ دون وريث ذكر (ولكن بابنتين على قيد الحياة) التاج لشارل. وفي ١٧١٤٣ بمقتضى "أمر عال" أصدره شارل لمجلسه الخاص، أعلن مشيئته بأن ينتقل عرشه وأملاكه الشخصية بعد وفاته إلى أكبر أبنائه الحي،